مدرين المكتومية
لا يُمكن اعتبار كل تجربة غير ناجحة، على أنها فاشلة؛ فالكثير من التجارب التي نسجل فيها إخفاقات لا تندرج تحت وصف "التجارب الفاشلة"، بل هي تجارب تزيدنا نضجا، وتفتح أعيننا على كثير مما غفلنا عنه، وليس ذلك لأننا نُعاني من سذاجة أخلاقية أو مراهقة فكرية، ولكن لأنَّنا بشر، إن لم نمر بهكذا تجارب فلن نتغير، وسنظل على حالنا دون تفكير متقدم أو وعي مرتفع.
ومن بين هذه التجارب: العلاقات العاطفية التي فعلًا تقودنا لطرح سؤال مهم؛ وهو: ماذا يعني النضج العاطفي؟ وكيف يمكن أن يصل إليه المرء؟
الإجابة بكل بساطة تتمثَّل في أن النضج العاطفي يتحقق بعد تجارب كثيرة من السقوط والفشل، والكثير من التحديات وعدم الفهم، وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر، لكن بمجرد ما يستطيع الإنسان فهم مشاعره ومعرفة إلى أين تذهب به، في تلك اللحظة يُمكن القول إنَّ هذا الشخص أو ذاك وصل لمرحلة النضج العاطفي؛ فالنضج العاطفي يعني أن ثمة نقاط التقاء ومشاركة بين أي طرفين، وهناك مساحة من التفاهم والانسجام والأهم الاحترام فيما بينهما، كما يتعيَّن أن تتزايد القدرة على كبح ردود الأفعال القاسية وغيرها من ردود الأفعال التي قد تتسبَّب في هدم جدران هذه العلاقة العاطفية، والتي رُبما تكُون استغرقت سنوات طويلة لكي ترتفع هامتها وتزداد صلابة مع مرور الوقت.
وخلال الفترة الأخيرة، استوقفتنِي بعض المواقف والقصص التي سَمعتها أو قرأت بعضًا منها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومجموعات المشاكل الأسرية، أو حتى التي أعايشها بنفسي بحكم علاقاتي مع الناس. فمثلا ذلك الزوج الذي يعيش حياة مطمئنة وآمنة إلى جوار زوجته وأولاده، ثم فجأة في مرحلة ما يبحث عن حب آخر، فيضطر لممارسة تصرفات المراهقين، فتتضرر الأسرة بأكملها.. أو تلك المرأة ذات الستين عاما التي لها من الأحفاد ما يتجاوز أصابع اليد، تجد نفسَها فجأة في انجذاب لعلاقة مع شاب صغير وتسعى للزواج منه أو حتى مصادقته! لا أعلم ما الذي يدفع هؤلاء لهكذا عمل سوى أنهم بالتأكيد يعانون من إشكاليات عاطفية، ولم يصلوا لمرحلة النضج العاطفي التام.
إننا بحاجة جدية لمعرفة أنفسنا ودواخلنا، وتبيان الطرق التي يُمكن من خلالها أن نتعايش مع أنفسنا أولا ثم مع الآخرين المحيطين بنا، حتى لا نصل إلى مرحلة من العمر بدلا من أن نحقق فيها النجاحات، نجد أنفسنا نتساقط شيئا فشيئا أمام كل ما بذلنا في سبيله الغالي والنفيس، فنجد أنفسنا امام مفترق طرق، وخيارات صعبة، ومن ثم نجد أنفسنا في ضيق شديد، وكأنَّ الدنيا برحابتها تضيق علينا وتُحكِم الخناق.. وكل هذا يحتاج لفهم ووعي وإدراك كامل بما يجب على الشخص أن يمتلكه من قدرتها، وأولها فهمه لنفسه الذي بدوره سيجعله يفهم الآخر بالتأكيد.
لا أُبَالغ حين أقول إنَّ مِن تداعيات وسلبيات عدم النضج العاطفي ارتفاع معدلات الطلاق في السلطنة، فأغلب مشاكل الطلاق يكون السبب فيها عدم فهم أساسيات العلاقة الزوجية؛ فالكثير من أبناء الجيل الجديد من المتزوجين مُرتبطون بالسفر ونظام "الكابلز" الذي أصبح مُتفشيا مع الأسف، مما يزيد من تعقيدات الحياة الاجتماعية؛ ففي معظم الزيجات التي تنتهي بالطلاق، يكون السبب الأول أن أحد الطرفين لا يستوعب الآخر، وكلاهما يرفض تقديم ما يُسمى بـ"التنازلات"!!
وفي حقيقة الأمر، نحن أمام قضية اجتماعية كبرى؛ فالنضج العاطفي قبل أن يكون مجرد مصطلح، فهو أيضا أسلوب حياة، ينقل الإنسان به إلى بر الأمان، ليعيش آمنا مستقرا دون توتر أو ضغوط تؤثر على صحته النفسية ومن ثم حياته الاجتماعية.