الحرية.. خيل الشيطان المشؤومة

ربيع بن صالح الأغبري

الإنسان خلق نقياً صافياً من الشوائب والمنغصات، وعندما أطل على هذه الدنيا، كان أشبه بقطعة البلور، والتي لاتحتمل الأدران، وليس للشيطان حظاً فيه، هكذا يخرج الوليد من بطن أمه لايعرف الأحزان والكآبة، والذي يتولى تربيته والعناية به بعد مايطل برأسه إلى هذا الكون الفسيح، ينشئه كيف ماشاء، إذا شاء هوده أو نصره أو مجسه، أو نشأه على ملة الإسلام.

فهو كعجينة بين يديه، وهو القادر على أن يحافظ عليه، خالياً من الأفكار المُسممة، جميل الفعل جليل المعان، ولايزال هذا الجنس البشري يكبر، وأمانيه وأحلامه، معه تكبر، وإذا مابلغ أشده وتجاوز مرحلة الطفولة، زعم أنه ليس له حاجة إلى معين وقد استغنى عن الناصح والمرشد الأمين وأدعى أنه قادر مؤهل لمعرفة الحقائق وهو وحده المستطيع أن يستنتج الخطأ من الصواب، والغث من السمين دون الحاجة إلى الآخرين ونتيجة اعتقاده بدأ يحيد عن الطريق ويميل رويدا رويدا دون أن يشعر ويحسب أنه يحسن التصرف والصنع الذي ليس له مثيل، بعد أن سول له الشيطان، وزين له ركوب خيله المشؤومة، المُسماة "الحرية" وحثه على امتطائها، ومن هنا انطلق الشباب بخيل إبليس، متوهمين بأنهم يسيروا نحو مستقبلهم، وسيبلغون الأمجاد بها ولم ينتبهوا، بأنهم ركبوا خيل غير مؤدبة ولا مروضة وفوق ذلك، دون سرج ولا لجام، وستجنح بهم ولن يبلغوا بها أي مكان، ستجنح بهم إلى ما لا يتوقعون، وبالفعل بدأ مشوار المتاعب، بعد ما سلم الشباب، نفسه إلى الهوى، فأصبح فاقدا الأمل وتخلى عن مارسم وخطط، ورغم سعة الكون وسعة ماهو فيه من رزق وعيش رغيد، لكنه أحس بأن الكون قد ضاق وأحاطت به الكآبة وسئم الحياة وأدبر عن شمسه المشرقة والتي ولدت معه.

ولو واصل تمسكه بالحبل المتين، وظل ولي أمره، يرقبه، ويوجهه سالكاً في ذلك، الاعتدال، لعاش الشباب سعيدا غنيا، ملك الدنيا بحذافيرها، جاءه المجد إلى بابه بعد أن أخذ بأسبابه، شريطة، أن يؤمن بأنَّ الجاه وما يتبعه ليس السبب الرئيس في جلب السعادة نعم ليس بالإمكان أن ننكر أهمية، مقومات الحياة الشريفة، ولكن في، المقابل ليس من الصحة بمكان الاعتقاد بأن صاحب الجاه والمال هو وحده، المُبجل السعيد، وبالمنصب والجاه، فقط يستطيع أن يشق لنفسه أرحب وأوسع الطريق لا ورب البيت هذا ادعاء باطل، وهناك شواهد تثبت عكس هذا الاعتقاد نراها من حولنا، وماعلينا إلا أن ننظر إلى العالم الواسع، ماذا سنرى؟ سنرى أصحاب النفوذ، وملاك الأموال.

وفي المُقابل، البسطاء والمساكين والفقراء، ثم نقارن ماذا سنجد؟ الطرف الأول متعبًا مرهقاً، قد ترهل وشاخ رغم مايملك، والطرف الثاني تراه إذا جرى سابق الرياح، بهمة قوية ومعنويته تقهر الجبال وإذا ما تبسم تهلل وجهه وتبسمت، عيناه ووجنتاه.

ولكن فوق ما تقدم كل ذلك مرهون بالإيمان، والتمسك بما ورثه من السلف من المبادئ والقيم المحمودة، والعرف الإيجابي، والعقيدة النقية، وإذا ماكان ذلك سيصبح الطرفان في الحياة، التي يسودها الرضا والصفاء سيان.

ربما هناك من يعترض على ماجاء من كلام، وأقول، فلننظر إلى الشعوب الغربية، والتي تركت لها حكوماتها مطلق الحرية، في كل ما يفعلون ويذرون، تراهم أهل رؤوس أموال وقد استطاعوا أن يُسيطروا بمالهم وثرواتهم، على مفاصل الاقتصاد العالمي، بل ليس بالمبالغة إن قلت المشاهير منهم من يملك مايزيد عن الصناديق الاحتياطية والسيادية، لبعض الدول الغنية.

ولكن ماذا تجد؟ ستجد البؤس واليأس، والكآبة قد سيطرت على حياتهم وسلبت السعادة من قلوبهم، وفي المقابل فلننظر إلى فقرائهم تراهم نالهم ما نال أغنياءهم من الكآبة واليأس والبؤس وقادهم جميعاً، إلى التفكير بجدية، في الانتحار وتفضيلهم الموت على الحياة، معتقدين بأنهم يخلصون أنفسهم، مما يعانوه من هموم وأحزان، قد جاءوا بها، وأوجدوها بمحض إرادتهم، وكل ذلك حدث نتيجة، امتطاء خيل إبليس المُسماة، الحرية والتي سارت بهم نحو التصرفات غير المسؤولة والمحسوبة التصرفات التي لاتعرف الوسطية والتي جنحت عن العرف والمبادئ والقيم خرجت عن المألوف وطرقتها المبالغة عن الواقع المعروف إذ الشخص منهم قد فهم بألا حدود لحريته في كل ما يأتيه ويذره، وأدار ظهره، للحرية الحقيقية المعتدلة والتي لاتحمل ضرراً لأحد وتقف عند بداية حرية الآخرين، ولكن المكابرين، أعجبتهم، واستهوتهم حرية إبليس، بداية من علاقاتهم

وصداقاتهم الخارجية ونهاية بعلاقاتهم الأسرية، وللأسف، حكوماتهم كان لها الدور الأكبر، في إصابتهم، بداء العصر وهي، الحرية التي انخدعوا بها، جلبت لهم الكآبة التي، نخرت الشعوب وأوصلتها إلى مالايحمد عقباه، من الملل واليأس وتبلد الفكر.

ومن هنا وجدت، حكومات ضالتها في كآبة شعوبها، وجدت ضالتها حتى يخلو لها الميدان، فتقرر ماتقرره، وتفعل ماتفعله دون شوشرة وإزعاج من شعوبها البائسة اليائسة والمحبطة المتخبطة التي كانت لها أحلام وآمال، فتلاشت وانتهت وعصفت بها الرياح، بعد ما نجح استخدام الحرية كطعم ضد الشعوب والذي ابتلعه الشباب، حتى أصبح بسببها وكأنه إمعة، يحاكي ما يراه ويسمعه، وأصبح يقتل وقته مثل مايظن ويزعم، باللهو واللعب، واستهوته حركات، لاتلتقي مع حضارته ومبادئه، وكثر أقرانه وأصحابه دون أن يعرفهم أو أن يلتقي بهم، إذ تعرف عليهم، بواسطة السوشال ميديا، وناهيك هل الذي تعرف عليهم عن طريق السوشال ميديا، هل هم الحقيقيون أم مجندون ويعملون لحساب جهات أخرى تابعة لأجهزة استخبارية بقصد، نشر الفساد وجر الشعوب إلى مهاوي الرذيلة، بطرق مدروسة، ملتوية ذكية، وظلت الحكومات ترقب الأوضاع دون تدخل، ولم تلتفت إلى المصالح العُليا التي تمس الأوطان، وتناست أن قد يصبح هذا المواطن المكتئب المتخبط فاقد الأمل، العدو الأول لوطنه ومجتمعه، وناهيك بأن حكومته ستضطر في آخر المطاف لأن تتحمل أخطاءه والتي ستكلف المجتمع الشيء الكثير، من الناحية التربوية والاقتصادية، والفكرية، والثقافية والاجتماعية والأخلاقية والدينية، والمالية وحتى السياسية، وستكتشف متأخرة أنَّ الجيل الذي كانت تعول عليه في بناء وتنفيذ الخطط المستقبلية، أصبح هذا الجيل حجر عثرة في التقدم والتطور والوصول إلى الأهداف المرسومة.

وستكتشف الحكومات التي فتحت وشرعت باب الحرية على مصرعية لشعوبها بأنها قد جانبت الصواب، بفتح أبواب الحريات الزائفة، ستكتشف قد فتحت لشعوبها حفر لاقرار لها، وإن كان لها قعر وقرار، فقرارها وقعرها البؤس واليأس والسآمة والملل، والكآبة التي تتربص بصاحبها حتى تنزله من عليائه، وتجرده من كبريائه، فتجعله أسفل سافلين، فيصبح أضحوكة الشعوب والأمم، على مر الدهور والسنين، وهذا القول ليس بالتعبير المجازي ولا أقصد به التهويل.

وهذا ماحدث من أقوام بعض الأولين، وقد سطر التاريخ ونقل لنا فعلهم المُشين، فضاعت باسم الحرية ممالك، وحضارات، فاقرأوا عن الأندلس كيف ضاعت وما أسباب انفصالها عن الدولة الإسلامية؟ اسألوا التاريخ سينبئكم عن فتك الحرية المطلقة بصاحبها، وكيف تحول صاحب المجد، إلى ذل وتقلب الموازين، رأسًا على عقب.

ومن هذا المقال البسيط المتواضع، أوجه رسالتي إلى الشباب والجيل بمختلف أعماره وأجناسه وذوي الاختصاص، وهي تحمل النصح، إلى التنبه لهذه الكلمة الفضفاضة والحذر منها وأعني الحرية والتي أصبح باسمها، ينادي الكثير من الشباب، بما لم يأتِ به الله من سلطان، وأصبح همه اللهو واللعب والمرح، يتسكعون في الأسواق والطرقات طول الليل وإذا مابزغ الفجر، هاموا على وجوههم ويدعون ليس هناك فرص عمل يستفيدون منها ويخدمون من أثرها الأوطان.

وباسم حرية الشيطان انتشرت بين بعض الشباب الأعمال والتي تقوض أمن واستقرار الأوطان ومن هنا أقول للجهات المعنية، الحذر وإلا سنقع في ماوقع فيه الغير نتيجة فتح أبواب الحرية على مصراعيه، ولن نتمكن من الوصول إلى الخطط المستقبلية والتي ننفق من أجلها الأموال الطائلة ونستهلك الدراسات التي كلفتنا جهودا مضنية، كيف سنصل إلى ذلك.

إذا كان الشباب باسم الحرية، قد ترهل وأصبح لايستطيع أن ينظم أوقات نومه واستيقاظه، بسبب فوضويته في تصرفاته، وقد جلبت عليه هذه التصرفات الكآبة والبؤس واليأس، بل وشككته في ثقافته وحضارته ودينه بل لا أبالغ إن قلت شككته في أصله وفصله، ومن باب العدل والإنصاف لانستطيع أن نحمل جهة واحدة فقط، ما آل إليه الشباب، بل يتحمل الشباب المسؤولية الأكبر، نرى كثيرا ما يرسلون إلى الخارج في بعثات علمية والنتيجة يرجع بعضهم إلى الوطن وقد جاء بالغث وترك السمين، وصدر لوطنه ومجتمعه وأهله ماهو ركيك وسقيم، عطل فكره وآمن بما لم نؤمن به نتيجة الحرية وأصبح تائهًا مع التائهين، يا ترى هل سنستطيع أن نبني بمثل هذه النماذج الأوطان وتعلو هممنا ويرتفع الشأن؟

متى يبلغ البنيان يومًا تمامه، إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.

تعليق عبر الفيس بوك