دارين.. ورقة عُمان الخضراء

سالم الكثيري

وأنا أتجوَّل بين أحضان الطبيعة على رؤوس الجبال في موسم خطيل الإبل بمحافظة ظفار، تواصل معي الدكتور مهدي جعفر أحد أبرز أعمدة العمل البيئي في السلطنة، واسترجعنا معًا هموم البيئة وذكرى ابنته الراحلة ‫دارين، التي فارقتنا إلى جوار ربها في يوليو الماضي، وكانت من أبرز الوجوه الشابة في الاهتمام بالبيئة.

عرفتُ الدكتور مهدي وأنا طالب في جامعة السلطان قابوس؛ ذلك الرجل فارع الطول المهاب من أول وهلة وهادئ الطباع لمن يعرفه عن قرب، والذي ينصت إليه الجميع لعذوبة حديثه ومنطقه الجميل، ثم جمعتني به بعد التخرج في بداية الألفية لقاءات جمعية البيئة، وتوثقت العلاقة أكثر من خلال جريدة "الرؤية"، والتي أخذت زمام المبادرة في تبني قضايا البيئة: صحفيًّا وإعلاميًّا، وهكذا جَمعَنا حب البيئة وحب البحث عن الحقيقة، ثم تطورت العلاقة يوما بعد يوم، لنُصبح نحن أعضاء الجمعية وكتاب "الرؤية" أقرب إلى الأسرة الصغيرة ومن أعضاء هذه الأسرة كانت دارين بطبيعة الحال.

وقد لفتَ نَظَري وضع مكتب حفظ البيئة في تغريدته على تويتر 17 أكتوبر، بمناسبة يوم المرأة العمانية، صورة الناشطة البيئية الراحلة دارين مهدي جعفر، وهي لفتة كريمة من قبل المكتب وفاءً لجهود دارين وعائلتها في الاهتمام بالبيئة.

لقد كانت دارين مِثالا يُحتذى للمرأة العمانية التي حملت هم الوطن من زاوية غابت عن الكثيرين، ولم تجد رحمها الله بُدًّا من أن تحمل هذه المهمة بتلقائية محضة؛ فوالدها الدكتور مهدي كان ولا يزال نموذجا للعماني المحب لبيئته، وكان من أوائل رواد العمل البيئي في السلطنة، ومن أبرز مؤسسي جمعية البيئة العمانية.

لهذا؛ تخصصت دارين في الأحياء في المرحلة الجامعية، وكان مشروعها في دراسة الماجستير في حقل البيئة أيضا، وانخرطت بعدها مباشرة في العمل البيئي بشكل منقطع النظير.

وكانت شُعلة نشاط في مجال البيئة، وسطع نجمها في السنوات الأخيرة كأحد أهم المُؤثرين في وسائل التواصل الذين يطرحون القضايا الوطنية والعالمية الجادة وعلى رأسها قضايا البيئة.

وكسبتْ دارين القلوب في الوسط البيئي والإعلامي والشبابي؛ من خلال إيمانها بالقضايا التي تتبناها وبأسلوبها التلقائي البسيط وابتسامتها المعهودة التي أسرت الجميع.

وشاءَ القدرُ أنْ تُغادرنا دارين في زهرة العمر وريعان الشباب، وتتساقط وهي ورقة نقية خضراء مورفة الظلال. فرحلت كجسد وبقيت روحها في قلب كل محب للإنسان والطبيعة والوطن. وهكذا هم أصحاب المشاريع الهادفة، يرحلون وتبقى آثارهم.

وكَوْني ابن الجبل مولدا ونشأة، ومن مُحبي الطبيعة بالفطرة، فسأظل أذكر دارين ومشروعها الطموح من أجل بيئة نقية مستدامة مع كل تجوال لي بين الجبال مثلما سأظل أذكر الدكتور محسن العامري رحمه الله كلما رأيت شجرة لبان مُتجذرة في الشعاب الواسعة لأرض اللبان، وهكذا هي الحال مع كل أصدقاء البيئة وأنصارها في السلطنة والعالم أجمع الذين يسعون جاهدين لحماية كوكبنا.