وماذا بعد ضريبة القيمة المضافة؟

خلفان الطوقي

لم يُفاجأ الكثير من المتابعين الدوليين والمحليين بقانون ضريبة القيمة المضافة (VAT)، والمزمع تطبيقه فعليًّا في أبريل 2021م، والسبب أنه تمَّ تداوله في الأوساط المختصة منذ العام 2016م؛ حيث تم تأجيل قرار تطبيقه في العام 2018م وفي العام 2019م لأكثر من مرة، لكن الحكومة لم تستطع تأجيله أكثر من ذلك رغم توصية مجلس عُمان بتطبيقه في العام 2022م وبشروط نمو اقتصادي معين.

لكنَّ الواقع كان أقوى وأصعب من هذه التوصية، وخيرُ دليل على صعوبة التأجيل أكثر من ذلك هو إنزال المؤسسة الائتمانية العالمية S&P لوضع السلطنة المالي قبل عدة أيام إلى درجة BB- (مستقر)، وأيضا إنزال درجة السلطنة المالية هذا العام 2020م من مؤسسات دولية أخرى؛ مثل: موديز وفيتش، لأكثر من درجة، وتوقع بعض هذه المؤسسات العالمية ارتفاع الدين العام من 90% للعام 2019م ليتجاوز أكثر من 80% من الناتج الإجمالي المحلي في نهاية العام 2020م، وارتفاع مديونية شركاتها الحكومية من 30% لتصل لأكثر من 43%، هذا وظروف أخرى يُعرِّض الحكومة لمزيد من الضغوط لإجراءات مالية إضافية في المستقبل.

وبعد أن أصبحت ضريبة الـVAT واقعا رغم استياء الكثير من الناس، فإنَّ الحكومة لن تكون في خيار مناسب أن تبث مثل هذه الأخبار الصدمة خبرًا بعد خبر، وعليها أن تستشعر الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، ولكي تتجنب هذه الآثار؛ فلابد أن تعمل في عدة مسارات في وقت واحد، وأن تتبنى في أسرع وقت ممكن القيام بعدة خطوات استباقية وابتكارية، وأهم هذه الخطوات العملية والميدانية:

أولا: خطة التواصل المجتمعي، وتحدِّد فيها ملامح السياسة الإعلامية، وتحديد الشركاء، والمعلومات الواجب إيصالها للمجتمع المحلي والدولي، والطريقة المُثلى لإيصال الرسالة إلى المواطن والمقيم والمستثمر، وتوقيت الرسالة.

ثانيا: سرعة طرح حزمة اقتصادية تحفيزية؛ فلا يمكن أن تحل أزماتنا المالية في كل مرة بالاقتراض أو بفرض الضريبة بأنواعها ورفع رسوم الخدمات الحكومية سنة بعد سنة، والتي بدورها تُسهم في تهريب الاستثمارات المحلية قبل الأجنبية، والتي  ستعمِّق الأزمة وتُسهم في انكماش الاقتصاد بدلا من إنقاذ الموقف.

ثالثا: تطبيق الحوكمة على جميع المعاملات الحكومية من إجراءات وقرارات وتعاميم وممارسات، والإعلان عن عزم الحكومة التعامل المهني بين الموظفين فيما بينهم بغض النظر عن الرتبة والتسلسل الوظيفي من ناحية، وبين الموظف والمراجع من ناحية أخرى، والمبنية على الإنتاجية ورفع مستوى خدمة المراجعين والتعامل المبنى على مؤشرات الأداء الواضحة للجميع المحددة سلفا، والهادفة لزيادة إنتاجية جميع المؤسسات الحكومية ومن خلال كل الموظفين دون استثناء.

رابعا: تعديل وتجديد القوانين والتشريعات الممكنة لمزيد من الإنتاجية والتميز، وتحقيق معدلات عُليا في كل النواحي الكمية والنوعية؛ فالعبرة لا تكمُن في تغيُّر الشخصيات، بل العبرة بتغيُّر النظم والفكر والممارسات والتشريعات، والانتقال من مرحلة العمل الحكومي كضمان اجتماعي إلى فكر نوعي إنتاجي يأتي بقيمة مضافة للعملاء والمراجعين.

خامسا: الاستفادة من الحلول التكنولوجية المتقدِّمة وتقنية الجيل الرابع وإنترنت الأشياء لتعظيم العوائد المالية لخزينة الدولة، ولأنَّنا في دولة واحدة؛ فمن غير المنطقي وبعد أكثر من حوالي 18 عامًا على إقرار إستراتيجية الحكومة الإلكترونية؛ فلا يزال الفارق شاسعا بين جهة حكومية كشرطة عُمان السلطانية من حيث التطور والتقدم وجودة وسرعة الإنجاز، وجهة حكومية أخرى مُتأخرة جدا، وما زالت إلى الآن تستخدم الورق والطرق التقليدية في تعاملاتها اليومية، وكأنَّنا في دولتين مختلفتين؛ فلا عجب أنْ تجد الإشادة لجهة والاستياء من جهة حكومية أخرى.

سادسا: الوعي التام من المسؤول الحكومي بأنَّ التضحية لابد أن تكون من الجميع؛ لأنه أصبح هناك شعور متنامٍ من المواطن بأنَّ الحلول المفروضة تطال محدودي ومتوسطي الدخل فقط؛ لذلك فمن المناسب أن توضح الحكومة أن التضحيات تطال وطالت الجميع، ليتم إقناعه، ويتم تقبلها مجتمعيا بصدر رحب، على أنْ تكون هناك جُرأة من الحكومة بأنْ تُعلن عن أي إجراءات يتم إقرارها، ومساحة رُقعة  التضحيات التي طالت الجميع دون استثناء.

سابعا: مُراجعة سياسة المنح والاستثناءات والعطايا والهبات والمكافآت والمشتريات الحكومية والمناقصات والإسناد المباشر.. وغيرها من تفاصيل السياسات المختلفة، وإعادة دراستها وتطويرها بما يتوافق مع الظروف الحالية والمتوقعة مستقبلا؛ فظُروف الماضي ليست كظروف اليوم أو مُتطلبات المستقبل، فلكل مرحلة ظروف، ولابد أن تكون لها قراراتها وسياساتها، والأهم من ذلك الإعلان عنها ليكون الجميع على بيِّنة من ذلك.

وأخيرا.. سعت الحكومة لإقناع المواطن والتاجر بتطبيق ضريبة أو أي قرار قاس، فلابد أن تقنعه بأنَّ هناك حلولًا شاملة: اقتصادية، واستثمارية، وإدارية، وتقنية، وابتكارية، وهناك حلول قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وكل حلٍّ من هذه الحلول يأتي بثماره في وقت معين، ولابد للجميع أن يكون مشاركا في رحلة طويلة، ولابد من الجميع أن يُسهم بجزء من التضحية، ليصل بنا قارب الوطن إلى بر الأمان.