إسماعيل بن شهاب البلوشي
سنستريح أو سنرتاح، لا أعتقدُ أنَّها في نفس كلٍّ منا تأصلت ككلمة وحسب، ففي ظنِّي أنها تعدت حتى مرحلة ترويض الفكر والسلوك، وأعتقد جازماً أنَّ الأمر ارتبط بنمط فكري وانعكس على جوانب هي بحاجة اليوم لتكريس جهود ومناهج علمية فلسفية ليس للخروج منها.
لكن، وقبل التعمق فيها ودراستها لمعرفة ما إذا كانت السبب المباشر للكثير من الدول والشعوب للسير باتجاه غير مباشر إلى الهدف المنشود، وإذا كان هناك تحديد تمَّ توراثه وترسَّخ في عقول الأجيال أو الإنسان بشكل عام، فإنَّ الراحة أصبحت هدفاً نهائيًّا في عُمق الفكر، وإنه بمجرد انتهاء مرحلة طفولة أو دراسة أو وظيفة أو أي شيء آخر من أمور الدنيا، ذلك يعني أنَّ مرحلة العطاء الحقيقي هي ما يسبقُ مرحلة الراحة المنشودة، وهي الهدفُ النهائي بل خط النهاية، فهل هذا المفهوم يُمكن أن ينطبق على طبيعة الحياة كما خلقنا الله عز وجل، وخلق جل شأنه الحياة لنا وسخَّر الكثير لاسعادنا نحن بني البشر؟!
وهل تَوارُثنا لهذا المفهوم ممزوجٌ في عُمق الفكر إلى الدرجة التي أصبحنا بسببه نتبادل اللوم من خلاله، محملين الجهات الأخرى الأسباب في عدم الوصول إلى خط النهاية باكراً (الراحة).
السَّعادة بشكل عام هي مَطلب إنساني أصيل وفهم محمود، ولكن هل نحن جميعا وضعنا الاعتقاد أن الراحة المنشودة تأتي بعد جهدٍ وعمل أم أنها قد تكون أكثر واقعية، أن تكون خلال العمل نفسه أو حتى بالعمل نفسه، ويُمكن أن تكمُن في روحه السعادة المنشودة، وهل لأنَّ ذلك الاستعجال في كل شيء هو لسرعة الوصول إلى الهدف النهائي، ويتوقف كل شيء حتى الطموح بعدها.
لو افترضنا أنَّ شخصًا ما قرَّر الذهاب وأسرته في سياحة داخل وطنه، والمسافة التي يحتاج لقطعها تصل إلى 1000 كم، فهل الخيار لقطع المسافة المذكورة هو رفع سرعته بأكثر من المسموح به والتوقف فقط لغرض إعادة التزوُّد بالوقود ثم الوصول، مُخاطِراً بأسرته، مُتعباً مُرهِقاً لهم، ثم إذا به واصلاً إلى وجهته، فما هو الجديد؟ ماذا لو أنَّ تلك الساعات كانت جُزءاً جميلاً من رحلته؟ ماذا لو أنَّه قضى ليلة جميلة في استراحة كجزء مما سيدفع له في وجهته المقصودة؟ هل جرَّب احتساء الشاي والقهوة في مكان آخر، وحافظ على فكره وهدوئه واستقرار كل شيء من حوله، ووصل في غاية الراحة؟ وهل يُمكن أن يكون المثال المذكور شبيهًا ومسايراً لمجمل الحياة؟
أعتقدُ أنَّ علينا جميعاً أن نتعلم من سرِّ الحياة واستمرارها في جسم كل كائن حي (القلب)، هذا الجزء الأهم فينا جميعاً، فهو يظل يخفق طوال عمر الإنسان، وإذا توقف ليستريح لفترة طويلة انتهى كل شيء، ولكن: هل نعلم أنَّ القلب بالفعل يستريح وبشكل مستمر ويحصل هذا في لحظة المد (الانبساط)؛ لذلك لا عمل يناسب باستمراره ولا راحة مناسبة باستمرارها، وإذا كانت الرسالة وصلت إلى عُمق الفكر أن مرحلة الدراسة أو أي شيء آخر مثل الترقية إلى الأعلى، بعدها يتم الحصول على مُميزاتٍ معينة، يقف من بعدها التكليف، هو الحد الذي يجب أن أحصل فيه على مميزات معينة وانتهى الأمر؛ فإنَّ الرسالة في عُمق الفكر أن كل شيء في مجمل حياتنا أن نقوم بإنجاز عملٍ ما، أو مرحلة، وعلى الجميع أنْ يقدّر ذلك ويشكر عملي ويدفع لي، وبعدها أكون في وضع الشبيه بالمتفرج، وحتى لو افترضنا جدلاً أن رؤية الإنسان واقعية، فهل السعادة حتماً يمكن أن تكون في البُعد عن المسؤولية والتعب والانغماس الفعلي في العطاء؟!
أعتقد لو أننا قمنا بدراسة ميدانية على فئة كبيرة من أي مجتمع في العالم، فإنَّ السعادة الحقيقية لن توجد بشكلها الحقيقي إلا في أولئك الذين رمُوا بكل فكرهم وجهدهم البدني في العطاء والعمل والتجربة، بل وحتى المغامرة والإبداع، ومع أنَّ كل ما ذكرت يجب أن تتوافر له البيئة المناسبة والصحية؛ مثل: القبول ببعض الأخطاء، والتشجيع والعدالة المطلقة، إلا أنَّ الفكر العام المجتمعي يُمكن أن يكون قاطِراً للناتج الفكري العام الذي منه ينعكس العطاء على الجميع، ويستفيد سلباً أو إيجاباً من تقديره لتوجيه الفكر في أرضية متكاملة ومريحة لقبول العمل الذي وبالفعل تكمُن سعادة الإنسان فيه وبه، لا بالبحث وبأي أسلوب للتخلُّص منه وفقط بعد مرحلة معينة.
السَّعادة تكمُن في جعل العمل هواية يغرق فيها الإنسان بكل ما يملك ويعيش، باحثاً مُتطفلاً عنها في روح وحب العمل، وبما يتناسب مع مراحل عمره؛ لذلك فكلنا نبحث عن السعادة في المستقبل، والحقيقة أن السعادة هي تلك اللحظة التي نعيشها الآن.