المرأة العمانية.. قصة نجاح بدون معيار

د. بدرية بنت ناصر الوهيبية *

تبعثُ المرأة العمانية اليوم رسالةَ شكر وامتنان من خلال وصلات التأبين والعرفان لباني نهضة عُمان السلطان قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه- وترفع أكفَّ الضراعة بأن يكتنفه بالمغفرة والرحمة ويسكنه فسيح جناته؛ لما قدمه لها من فرص كثيرة لاعتلاء سلم المجد والعزة، وتخصيصه يوم السابع عشر من أكتوبر يوماً لها تحتفي فيه كل عام بإنجازاتها الوطنية وما وصلت إليه من تقدُّم في مختلف المجالات، وتفعيلا للقواعد التي أرساها السلطان الراحل -رحمه الله- لحماية حقوق الإنسان العماني من خلال النظام الأساسي للدولة، وإقراره مبدأ المساواة بين المواطنين دون تمييز على أساس الجنس، فنصت المادة (12) من النظام الأساسي للدولة على أن "العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدّولة"، وأعطى حق المرأة في الوظائف العامة بالدولة، والمادة (13) منحتها حق التعليم، والمادة (17) أكدت مبدأ المساواة للجميع أمام القانون. فضلا عن دعوته للمرأة العمانية -سواء كانت في الحضر أو الريف- للإسهام في التنمية، "إننا ندعو المرأة العُمانية في كل مكان، في القرية والمدينة، في الحضر والبادية، في السهل والجبل، لأن تشمِّر عن ساعد الجد، وأن تُسهم في حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كل حسب قدرتها وطاقتها وخبرتها ومهارتها في المجتمع؛ فالوطن بحاجة لكل السواعد من أجل مواصلة مسيرة التقدم والنّماء والاستقرار والرخاء". (خطاب السلطان قابوس بمناسبة افتتاح مجلس الشورى للفترة الثانية 26/12/1994).

فاستطاعتْ المرأة العمانية إنجاز قصة نجاح بدون معيار أو قيد يحد من تحليقها نحو فضاءات التقدم والنماء، وبدون تمييز يقلل من سنوات اجتهادها الخرافي خلال خمسة عقود مضت من ربيع عمر النّهضة المباركة، فبقدراتها وإمكاناتها أثبتت دورها في تنمية مجتمعها، وحققت إنجازات وطنية عالية المستوى في مختلف المجالات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وتقلدت أعلى المناصب القيادية بالسلطنة لإضافة بصمتها في إعداد السياسات والخطط الوطنية وتقييمها، وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة، وما كان لها هذا الإنجاز لولا الإرادة السياسية والقيادة الحكيمة من لدن باني نهضة عمان السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- التي هيأت البيئة التشريعية بما يتناسب واحتياجات المرأة العمانية، وتتواءم مع المعايير والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة وتمكينها.

وما إنْ سارت المرأة العمانية في خطى المجد والعلا تلقتها أنامل العطاء النّاهضة بحقوقها وطموحها من قبل مجدد النهضة العمانية جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- مواصلا السياسة الواعية الحكيمة كما أراد لها السلطان الراحل -رحمه الله- ونستشرف ذلك الاهتمام المبارك في خطاب جلالته -حفظه الله ورعاه- بمشاركة المرأة العمانية في التنمية الشاملة للبلاد كدعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، فذكر: "إنَّ شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون وأن تعمل مع الرجل جنبًا إلى جنب في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية التي لا نحيد عنها ولا نتساهل بشأنها" (خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم 23/2/2020م).

ومع أنوار العهد الجديد المشرق، ترفع المرأة العمانية اليوم وثيقة عهد وولاء إلى المقام السامي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- تعاهده فيها على الولاء والطاعة والسير خلفه لإكمال مسيرة البناء، وتحقيق النّهضة المتجددة القائمة على رؤية وطنية معاصرة بخطى واثقة ثابتة نحو مستقبل أفضل.

وبعد أنْ سطعت شموس التغيير والتطوير لتحقيق رؤية جلالته لعمان المستقبل 2040 -التي شاركت المرأة العمانية بجانب شقيقها الرجل في إعدادها- حصلت المرأة على ثقة جلالته، وتقلدت حقائب وزارية مختلفة في مجالات تعليمية واجتماعية واقتصادية، ليؤكد جلالته الرسالة العظمى التي تؤديها المرأة العمانية كونها تشكل نصف المجتمع العماني كمًا ونوعًا، موجهًا رسالة إنسانية للعالم بأكمله حول أهمية دور المرأة في نهضة الأمم، وتعزيز مكانتها وحماية حقوقها، فأصبحت المرأة العمانية تنحت حروف المجد بسواعدها لتنسج من حروف إنجازاتها قصة نجاح تروى في كل زمان ومكان.

وفي سياق ما وصلت إليه المرأة العمانية من تقدم، وتحسين جودة حياتها في ظل النّهضة المباركة والمتجددة كونها "الجناح الآخر الذي يحلق به طائر المجتمع نحو التقدم والازدهار"، توّجت السلطنة بحصولها على المرتبة الأولى في تمكين المرأة من حقوقها، وفقا للتقرير السنوي عن مؤسسة المرأة العربية عام 2018م، وهذه دلالة واضحة على ما نالته المرأة العمانية من حقوق، وفرت لها حظا من الحماية الاجتماعية والاقتصادية ومكنتها من إثبات دورها، كما أنها إشارة إلى أن المرأة العمانية وصلت إلى النّضج البنائي والتعليمي والوعي المناسب. إذ كان الاهتمام واضحاً بأهمية تعليمها والتحاقها بجميع مراحله، فهو المدخل العملي لتطوير المرأة وبناء قدراتها، وتمكينها اقتصادياً واجتماعياً، وأظهرت المؤشرات التعليمية لعامي 2018/2019م، تطوراً إيجابياً في هذا المجال، حيث انخفض معدل الأمية للإناث من 14.2% عام 2012م إلى 6.5% عام 2019م، ومثلت الإناث ما نسبته 72% من الهيئة التدريسية بالمدارس الحكومية لعام 2018/2019م. وبلغت نسبة الخريجات من كليات التقنية مقارنة بالذكور 52 % في العام نفسه.

فسجلت المرأة حضورها في مختلف أجهزة الدولة الرسمية، فنجدها في الإعلام، والثقافة، والتعليم، والصحة، والأجهزة القضائية، والشرطة، والأجهزة العسكرية، وفي إدارة المؤسسات الأهلية، وجمعيات المرأة العمانية في جميع ولايات السلطنة، بالإضافة إلى مشاركتها بشكلٍ فاعل في القطاع الخاص وإدارة الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما برز دورها بشكلٍ واضح في تقلدها مناصب قيادية لمؤسسات مهنية وتعليمية كرئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية سابقا، وتقلدها وزيرة للاتصالات والتقنية سابقاً، ورئيسة هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ووزيرة للتعليم العالي، ووزيرة للتربية والتعليم، ووزيرة للتنمية الاجتماعية، بالإضافة إلى عضويتها في مجلس الدولة التي بلغت 17%، وعضويتها في مجلس الشورى التي بلغت 2%، وبالتالي مساهمتها بشكل مباشر في صناعة القرار، ورسم السياسات والخطط الوطنية.

وتشير التقارير الإحصائية الوطنية كذلك إلى ارتفاع نسبة النّساء العمانيات في سوق العمل بالسلطنة؛ حيث ارتفعت نسبة مشاركتها في القطاعين الحكومي والخاص خلال الأعوام من (2010-2018م) إلى 71%، وبلغت نسبة مشاركتها 26%  حتى عام  2019م، وبلغ عدد النّساء الشاغلات لوظائف الإدارة العليا والوسطى والمباشرة 21% من عدد الموظفين الشاغلين لتلك الوظائف في العام نفسه، علاوة على ذلك استطاعت المرأة إبراز دورها في ريادة الأعمال فأصبحت تملك مشروعات اقتصادية في التجميل والخياطة وغيره، والتحقت مجموعة من النّساء بمشروعات سند لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبلغت نسبة المستفيدات من صندوق رفد 34.5% من إجمالي المستفيدين حتى العام 2018م.

ومازالت المرأة العمانية تتوج أعمالها بقصص نجاح متوالية في مجالات التقنية والابتكار، محققة أعلى المستويات العلمية والإدارية، محرزة بذلك تقدما ملحوظا في شتى مجالات التنمية، وفق معايير ومقاييس الإجادة العالمية والمهنية من أجل رفعة وطنها وتقدمه بين دول العالم.

 

* كاتبة في المجالات الاجتماعية والثقافية

رئيسة صالون العُمانية الثقافي - جمعية المرأة العمانية بمسقط

تعليق عبر الفيس بوك