"ميلاد عاصفة وعرس جداول"!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير".

عندما أتحدث عن فلسطين، والأقصى الشريف الذي قال عنه نبينا صلى الله عليه وسلم: لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى (رواه البخاري ومسلم)، أشعر كمسلم قبل أي شيء بشوق عارم لزيارة أولى القبلتين وثالث الحرمين، الذي مايزال تحت وطأة الاحتلال الصهيوني منذ سنين طوال، ولم نستطع تحريره من براثن الصهاينة، رغم مُحاولات حثيثة وحروب خاسرة، ورغم اتفاقيات السلام، لكن مازلنا غير قادرين على تحريره، وعودته إلينا!

عندما أذكر الأقصى أتحدث عن أهلنا بفلسطين الجريحة، التي تئن تحت السيطرة الصهيونية، سوى مناطق أصبحت تحت إدارة السلطة الفلسطينية في مدينة رام الله، أو مناطق تحت إدارة حركة حماس في غزة، عطفاً على مناطق عرب 48، وغيرها من مناطق فلسطين، حيث ما تزال الإرادة الصهيونية لها اليد العليا.

هنا لن أتحدث عن سياسة معينة مع /ضد، بل إني أحاول إنصاف الجميع، لن أظلم هذا وأقف مع ذاك، إذ لامزايدة على أيِّ عربي بمحبة فلسطين وأهلها، إنما يبدو واضحاً أن هناك تداخلا مؤلماً لمواقف وتجاذبات سياسية متراكمة أدت إلى ما أدت إليه اليوم من فرقة وتشرذم بين الجميع، أن أكون في صف الفلسطينيين لايعني ذلك أني ضد من اتخذوا مبادرات اتفهمها وأقدر دوافعها بغض النظر عن الاتفاق /الاختلاف، بنفس اللحظة علينا أن نقدر أن جل أهلنا في الأراضي المُحتلة لايد لهم في القرار السياسي (سواء في رام الله أو حتى غزة) وأن ما يصدر من قرارات وما يُتخذ من مواقف هي تمثل المنظمات والفصائل الفلسطينية الممسكة بسدة القرار، علينا أن نتفهم ذلك جيدًا، ولا نطلق الاتهامات والتخوين ضد الشعب الأعزل سياسيا قبل أن يكون أعزلا قتاليا!

أما الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني، فعلينا أولاً وقبل أن نزايد على بعضنا ونبيع ونشتري بالوطنية والقومية أن نضع الأحرف على الكلمات، ونتذكر أن مصر الكنانة وقعت معاهدة سلام في كامب ديفيد 1979م، بعدها بسنوات بعيد تحرير الكويت كان مؤتمر مدريد 1991م، وهو من إرهاصات حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغادر، بعده جرت محادثات أوسلو 1992م، وجاءت اتفاقية وادي عربة مع الأردن 1994م، وهناك تواصل مُعلن وإن لم يكتمل بعلاقات دبلوماسية مع تونس والمغرب وقطر وعُمان، كل ذلك قبل اتفاق الإمارات وبعده البحرين قبل فترة قصيرة؛ حيث قامت قيامة البعض، لأنَّ هاتين الدولتين الشقيقتين قامتا ببدء محادثات مُعلنة برعاية أمريكية، وتناسى الكثير أنّ لإسرائيل ذاتها سفارتان وتمثيل دبلوماسي كامل في دولتين عربيتين!

لن أبحث عن عذر أو تبرير لأي دولة عربية طبعت أم لم تطبع، ولن أدخل في مزايدات، لكن علينا أيضاً ألا نضع اللوم على أي جهة لم تتم استشارتها قبل التطبيع، أو تقريب هذا وتخوين ذاك، أتحدث وأنا في الكويت مايزال قانون الحرب الدفاعية ضد إسرائيل ساري المفعول، ككويتي أتحدث عن إسرائيل كعدو وكيان مغتصب، وليس كدولة لها اعتبارها، ولن أهتم بمن يجرني لأحداث الغزو ومواقف الإدارة الفلسطينية وبعض الفصائل ضد بلدي (طبعاً لن ألوم الشعب الفلسطيني الحبيب لأنه أساساً مغيب ككثير من الشعوب العربية عن الحقائق) لأنَّ فلسطين هي عقيدة قبل أي شيء، قبل أي موقف سياسي أو غير سياسي،هل تريدني -مثلاً -أن أصبَّ جام غضبي على مواطنين فلسطينيين لاتصل إليهم معلومات حقيقية ولا يعيشون بأمن وأمان ويعانون الأمرين حتى في سبيل توفير القوت اليومي!

كما ذكرت سابقاً لن أدخل في لوم هذا ومدح ذاك، أعتبر أنَّ الكل إخوة والهدف واحد، إنما المعطيات هي المؤثرة على المواقف، لاننسى أنَّ الأوضاع الدولية كالرمال المتحركة، الضغوط على الدول العربية تزداد، وسط تحركات مريبة لقوى إقليمية تتطلع لأمجاد غابرة، وأطماع واضحة، وأربع عواصم عربية -على الأقل - لاتملك قرارها تحت وطأة ضغوط إقليمية، وتهدد ذات الضغوط دولاً أخرى لتدخل تلك المنظومة العدوانية، لذا أصبح الوضع لحماية الوجود، وأصبحت قضية فلسطين لعبة سياسية يلعب بها لاعبون غير معنيين أساسًا بها، لكنهم يستخدمونها للمزايدات وتحقيق بطولات ورقية وتلفزيونية لا أكثر، أما الهدف الرئيسي فهو توسيع السيطرة وإنشاء حركات سياسية تميل لهذا اللاعب الإقليمي أو ذاك، الغريب أن الكثير يصدق تلك الشعارات ويغني بها!

قبل الحديث عن بطولة هذا وخيانة ذاك، علينا إنصاف دوافع من طبَّع ولماذا؟ وعلينا أن نعترف أن ورقة الوجود أصبح يُهدد بها من يُزايد ويستغل القضية العادلة لتحقيق طموحات عفا عنها الزمن!

ذات مرة قال محمود درويش:

وطني! يعلمني حديدُ سلاسلي

عنف النسور ورقة المتفائلِ

ما كنت أعرف أن تحت جلودنا

ميلادَ عاصفة وعرس جداول