◄ القلق بشأن مستقبل الطاقة يعجل بـ"ثورة ثانية" للبحث عن بدائل منخفضة الكربون
◄ "النفط الصخري" غير وجه الاقتصاد الأمريكي.. لكنه أسقط الولايات المتحدة في هوة الاضطرابات
ترجمة - رنا عبدالحكيم
في كتابه المعنون بـ"الخريطة الجديدة.. الطاقة والمناخ وصراع الأمم"، يقدِّم الكاتب الأمريكي -الحائز على جائزة بوليتزر- وخبير الطاقة العالمي دانييل يرجين، وصفًا جديدًا ومبشراً لكيفية رسم ثورات الطاقة ومعارك المناخ والجغرافيا السياسية لمستقبل البشرية.
ويرَى المؤلف في هذا الكتاب أنَّ العالم يتعرَّض للاضطرابات بسبب الخلافات العميقة بين الدول حول قضايا الطاقة وتغير المناخ والقوى المتضاربة للدول في أوقات الأزمات العالمية. ويقول إن "ثورة النفط الصخري" في النفط والغاز -والتي أصبحت ممكنة بفضل تقنية التكسير الهيدروليكي- غيَّرت وجه الاقتصاد الأمريكي، مُنهِية "عصر الاحتياج"، لكنها أدخلت البلاد في حقبة جديدة مضطربة. فبين عشية وضحاها تقريبًا، أصبحت الولايات المتحدة القوة الأولى للطاقة في العالم، وخلال أزمة فيروس كورونا، توسطت في هدنة متوترة بين روسيا والسعودية. ومع ذلك، فإن القلق بشأن دور الطاقة في تغير المناخ يمثل تحديًا لاقتصادنا وطريقة حياتنا، مما يسرع من ثورة طاقة ثانية في البحث عن مستقبل منخفض الكربون. وأصبح كل هذا أكثر وضوحًا وإلحاحًا بسبب جائحة الفيروس التاجي والعصر المظلم الاقتصادي الذي أحدثه.
ويرى الخبير النفطي أن رقعة شطرنج السياسة العالمية انقلبت رأساً على عقب؛ فثمة حرب باردة جديدة على وشك الاندلاع مع الصين؛ كما أنَّ المنافسة مع روسيا دخلت منطقة أكثر خطورة، بينما يتباحث فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينج، حول قضايا الطاقة وتحدي القيادة الأمريكية. وتستعرض الصين قوتها ونفوذها في جميع الاتجاهات. ويمكن أن يصبح بحر الصين الجنوبي، الذي تطالب به الصين والطريق التجاري الأكثر أهمية في العالم، ساحة للاصطدام المباشر بين الولايات المتحدة والصين. أما خريطة الشرق الأوسط، التي تم وضعها بعد الحرب العالمية الأولى، فيتحكم فيها المتطرفون الدينيون، وإيران الثورية، والاشتباكات العرقية والدينية، والاضطرابات الديموغرافية. وتعرضت المنطقة لصدمة أيضًا بسبب الانهيارين الأخيرين لأسعار النفط، الأول عندما صعد النفط الصخري، والثاني بسبب فيروس كورونا، الأمر الذي ترك مسألة مستقبل النفط بلا إجابة.
والكتاب عبارة عن مسح متباين لكل تطور جيوسياسي على ما يبدو في التاريخ الحديث (وليس الحديث جدًّا)، من منظور الطاقة والمنافسات الوطنية والتكنولوجيات المتغيرة وتهديدات التغير المناخي التي تلوح في الأفق.
غَيْر أنَّ بعض النقاد يرون أنَّ أي كتاب يسعى لتغطية الكثير من التفاصيل -من تطوير فحم الكوك في القرن الثامن عشر، إلى صفقات "سايكس- بيكو" في الشرق الأوسط، إلى أصول "خط الفواصل التسع" في الصين، وتأسيس شركة تسلا، مرورا بحروب أسعار النفط هذا العام- سيُشعر القارئ بأنه كتاب مليء بالتفاصيل دون عمق.
لكنَّ الممتِع في الكتاب، أنَّ دانييل يرجين خبير الطاقة العالمي، يأخذ القارئ في رحلة مشوقة للغاية، وفي الوقت المناسب عبر "الخريطة الجديدة" للعالم، ويسلِّط الضوء على قضايا الطاقة الكبيرة والمسائل الجيوسياسية قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية التاريخية للعام 2020، والتحديات العميقة التي تنتظر العالم.