رحيل "عاشق" الشويمية!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

قبل سنوات كنت في إحدى الديوانيات (1) ببلدي الكويت، وكان الحديث يدور حول قرية صغيرة يزورها دائماً أميرنا الشيخ صباح الأحمد، وكان أحد الحضور قد زار القرية بناءً على ثقته باختيار الأمير، (أقصد أنَّ صديقي من هواة صيد السمك وسمع أنَّ الشيخ يذهب للقرية بسبب الهدوء فيها وجاذبية شواطئها لممارسة هواية صيد الأسماك)، وكانت قد انتشرت أخبار حول الشويمية وجاذبيتها لهواة الصيد، وتمتعها بمميزات صعب وجودها بغيرها، كالشواطئ النظيفة، والأمن والأمان وكرم أهلها وضيافتهم وتوفر الإمكانيات ولوبسيطة.

لذلك بعدها قامت أعداد ليست بالكثيرة، من هواة البحر إلى الشويمية، وكثيرا ما سمعت أنه أصبح شائعاً أن يجدوا الشيخ صباح (عندما يقضي إجازاته فيها) يسير مشياً على الأقدام على رمال الشاطئ وتجده يجلس لوحده مع الصيادين في جلسات بسيطة أبعد ما تكون عن الرسمية. ومن يعرف ويتابع الشيخ صباح سيعرف أنه جُبل على البساطة والتواضع والتواصل مع النَّاس على عمومهم، مما جعله شخصية محببة للكل، رغم تجربته السياسية الطويلة وخبرته كرجل حكم، لكنه كان يتمتع بالثقة بنفسه وبالنَّاس رحمه الله.

اسم القرية: نيابة الشويمية تقع في ولاية شليم وجزر الحلانيات، وهي إحدى القرى التي تتبع إدارياً لمحافظة ظفار، وتبعد عن مسقط 750 كيلومتراً، وعن مدينة صلالة 350 كيلومتراً تقريباً (2) وتطل على بحر العرب، أصبحت منذ سنوات قبلة لأهل البحر والصيد خاصة من الكويت، وقد أحبها النَّاس لطيبة أهلها وترحيبهم وبساطة الحياة فيها، وربما هذا السبب الرئيسي الذي حبب النَّاس بها، فقد سئم الكثيرون حياة الصخب في المدن وزخم الحياة المتوالي، حتى أصبح- أحيانا- الحصول على إجازة في مكان بعيد وركن هادئ هو أهم أمنيات المواجهين للمهمات الرسمية والأعمال المزدحمة بالأحداث، فما بالك وإن كانوا من هواة البحر والصيد.

قبل كتابة هذه الكلمات المتواضعة كنت محتارا ما الذي سأكتبه عن شخصية كتبت عنها آلاف المقالات وملايين التغريدات في وسائل التواصل، حتى أنا كتبت عنه في مكان آخر (3)، القارئ يطمح للجديد لا المتكرر، القارئ ذكي لا يُمكن التجاوز عليه بكلمات مُنمقة لا حس فكري بها، ولا حبكة مكتوبة، فأثناء التفكير طرأت عليَّ الشويمية وأهل الشويمية والشيخ صباح الله يرحمه، ولم أجد فكرة أروع من تلك لذكر الرجل المحنك وأهل هذه القرية التي أحبها وجعلها الاتجاه الأول لإجازاته بحثا" عن الراحة وصفاء الذهن بعد كل جولة من جولات السياسة المتعبة والمرهقة.

رحم الله الشيخ صباح الأحمد وغفر له وأسكنه فسيح جناته، وحفظ الله الشويمية وأهلها، وهذه دنيا فانية وكلنا راحلون ولايبقى إلا وجه الله.

 

---------------------------

1_ الديوانية غرفة منفصلة عن غرف البيت، وهي مجلس مخصص لاستقبال الضيوف واللقاءات الاجتماعية.

2_ الشويمية: ثلاثية البهاء والسحر الكوني، جريدة البيان (دبي، دولة الإمارات العربية المتحدة ) كتب: من مسقط "محمد بن صالح البلوشي"، بتاريخ: 27 أبريل 2013م.

3 _ الكويت من دون صباح الخير: جريدة القبس (دولة الكويت)، يوسف عوض العازمي، 2 أكتوبر 2020.