الألعاب على الإنترنت والرياضات الإلكترونية (3 - 4)

عبيدلي العبيدلي

 

تفاوتت التعريفات التي حاولت تأطير مفهوم ألعاب الإنترنت بين ما هو بسيط ومُختصر والذي يعتبرها ليست أكثر من "تلك الألعاب التي تستخدم شبكات الحاسوب والإنترنت. وتتراوح تلك الألعاب على الإنترنت من مجرد نصوص ووصلات على صفحات الويب إلى مستويات مُعقدة من الرسومات ثلاثية الأبعاد والعوالم الافتراضية التي يعيش فيها عدد كبير من اللاعبين في وقت واحد، وأنَّ كثيرا من الألعاب على الإنترنت يرتبط بها مجتمعات على الإنترنت، مما يجعل من الألعاب على الإنترنت شكلا من أشكال النشاط الاجتماعي مع وجود العديد من الألعاب للاعب واحد فقط"، إلى تلك الأكثر تعقيدا وشمولية فترى أنها "تكنولوجيا حديثة؛ تعتمد على آلية لربط اللاعبين معاً بدلاً من النمط المعتاد من اللعب. ومن ثم فالألعاب على الإنترنت هي تعتمد بشكل كامل على شبكات الحاسب الآلي، وعادة ما تكون على شبكة الإنترنت. ومن مزايا الألعاب على الإنترنت القدرة على ربط الألعاب بلاعبين متعددين، على الرغم من أنَّ ألعاب اللاعب الواحد على الإنترنت شائعة جدا أيضا".

لكن مقابل هذا التعريف المقتضب، نجد هناك من تناولها من زاوية أكثر اتساعا فاعتبرها "لعبة فيديو يتم لعبها عبر شكل من أشكال شبكات الحاسوب. وعادة ما تكون هذه الشبكة هي الإنترنت أو ما يعادلها من التكنولوجيا، ولكن الألعاب دائمًا ما تستخدم أي تقنية كانت موجودة: أجهزة المودم قبل الإنترنت، والمحطات الطرفية السلكية قبل أجهزة المودم. ويعكس توسع الألعاب عبر الإنترنت التوسع العام لشبكات الحاسوب من الشبكات المحلية الصغيرة إلى الإنترنت ونمو الوصول إلى الإنترنت نفسه. ويمكن أن تتراوح الألعاب عبر الإنترنت من البيئات البسيطة القائمة على النص إلى الألعاب التي تتضمن رسومات معقدة وعوالم افتراضية يسكنها العديد من اللاعبين في وقت واحد. ترتبط العديد من الألعاب عبر الإنترنت بالمجتمعات عبر الإنترنت، مما يجعل الألعاب عبر الإنترنت شكلاً من أشكال النشاط الاجتماعي يتجاوز ألعاب اللاعب الفردي."

وعلى نحو مشابه عرفت الرياضات الإلكترونية الظاهرة ذاتها، بين تعريف مبسط مقتضب يراها "رياضة كباقي الرياضات مثل كرة القدم وأفضل وهي مصطلح عالمي يعبر عن منافسات ألعاب الفيديو حيث يتنافس اللاعبون على هيئة أفراد أو فرق ضمن بطولات محلية أو عالمية بهدف الفوز بجوائز معنوية ومادية. تتبع هذه البطولات مجموعة من القوانين ويمكن أن تتم داخل صالات بحيث يجتمع اللاعبون في مكان ووقت محدد أو عن بعد من خلال الإنترنت ويتم ذلك بعد الاتفاق على مواعيد وجدول المباريات."

بالمقابل ارتأى البعض توسيع دائرة التعريف فربط بينها وبين التفكير الاستراتيجي، فاعتبرها ألعابا "ذات طابع استراتيجي من نوع مناورات تعتمد كلياً على قدرة القيادة والتفكير كقيادة جيش أو بناء مدن. تعتمد هذه الألعاب عادة على التصوير العلوي وتحريك الجيش بالماوس أو الفارة وتكمن فكرتها بإعداد معسكر حربي وتجهيزه وحمايته حتى الاستقرار، ثم القيام بمحاربة المعسكرات الأخرى حتى يتم إبادتها جميعاً والفوز في المعركة".

وهناك من يذهب إلى أكثر من ذلك فيربط التعريف بالظواهر التي ولدها ومن بينها "العواقب السلبية للألعاب المفرطة، وانتشارها، وعوامل الخطر المرتبطة بها، وبروز الحاجة المتزايدة للمساعدة المهنية لمعالجة الظواهر السلبية التي رافقت انتشارها".

وهناك الكثير من الفروقات التي تميز بين الألعاب على الإنترنت والرياضات الإلكترونية، لكن الأبرز بينها، هي أنه بينما تقتصر الأولى على المتعة والترفيه فقط، وتحصر نشاط من يمارسها في نطاق التفوق على منافسه، نجد أن الثانية تحولت إلى منافسة تحاكي منافسات كرة القدم العالمية التي يتولاها الاتحاد الدولي لرياضات مختلفة مثل كرة القدم وكرة السلة. وفوق ذلك كله ينال الفريق الفائز فيها مبالغ خيالية تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات أحياناً. بل باتت بعض الفرق المشهورة تبني فريقاً إلكترونياً يحمل ذات الاسم الذي يحمله الفريق الحقيقي، مثل برشلونة وفرق أخرى أيضًا.

لكن الظاهرة الخطرة التي رافقت انتشار كلا النشاطين هي الأمراض النفسية والسلوكية التي رافقت ذلك الانتشار، ومن بينها ما أصبح يطلق عليه مرض "اضطراب الألعاب". وهو مرض تنجم عنه ثلاثة أعراض رئيسية هي، كما تصفها منظمة الصحة العالمية

  1. عدم القدرة على التحكم في سلوكيات الألعاب (سواء كان ذلك نتيجة طول مدة اللعب أو شدتها)
  2. وضع "أولوية متزايدة" للألعاب حيث تكون لها الأسبقية على الأنشطة الأخرى في الحياة.
  3. زيادة تصاعد الألعاب على الرغم من النتائج السلبية

هذا دفع المنظمات المنخرطة في أنشطة هذين النوعين من النشاط الإنساني إلى أن يكون لها "خبراء أمراض يديرون شؤون اللاعبين البدنية والذهنية".

لكن رغم ذلك، لم يؤد انتشار تلك الأمراض الناجمة عنهما إلى تراجع أسواقها المالية أو درجة انتشارها، واتساع نطاق ممارستها. فقد كشف تقرير صادر في منتصف العام 2019 "أن سوق ألعاب الفيديو والألعاب الإلكترونية العالمي سيحقق 152.1 مليار دولار في نهاية العام ذاته، بزيادة بلغت حوالي 9.6 مليار دولار عن العام الذ سبقه".

وبحسب موقع "تك كرانش" المتخصص في موضوعات التكنولوجيا، فإن تلك الألعاب والمسابقات "باتت تمثل حوالي 33 في المئة من إجمالي التطبيقات التي يتم تنزيلها على الأجهزة المحمولة، و74 في المائة من إنفاق المستخدمين على تطبيقات هذه الأجهزة".

كما تكشف أرقام أخرى ذات علاقة مباشرة بانتشار النشاطين، اتساع نطاق عدد من يمارس أي منهما. فكما جاء في العديد من التقارير الموثوقة، هناك:

"100 مليون شخص يلعبون شهريا في (دوري الأساطير)، لعبة المعارك التي يشترك فيها عدد من اللاعبين. و53 في المئة من مشجعي الرياضات الإلكترونية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا يعتبرون أن هذه اللعبة نوع من أنواع الرياضة. و57 في المئة من مشاهدي الرياضات الإلكترونية هم من الصين، حيث يشارك منهم ستة ملايين طالب جامعي على الأقل"

أما في الولايات المتحدة وحدها، فقد، "أصبح الوقت الذي يتم تخصيصه للأجهزة المحمولة يزيد عن الوقت المخصص لمشاهدة التلفزيون، حيث يقضي المستخدمون وقتا مع أجهزة المحمول يزيد بمقدار 8 دقائق يومياً مقارنة بوقت التلفزيون. ومن المتوقع وصول هذا الرقم إلى أكثر من 30 دقيقة يومياً في عام 2021".