من أنا...؟!

مدرين المكتومية

مُنذ آلاف السنين، وسؤال الماهية والهوية (مَن أنا؟) يَشغل الإنسان في الإجابة عنه، وكل أمة وكل شعب وكل مفكِّر حصل على إجابة معينة تنتمي إليه دون غيره، ولكن أكثر شخص ركَّز على البحث عن إجابة شافية لهذا السؤال هو الفيلسوف سقراط، كان المبدأ الأساسي لديه في هذه الفكرة هو: "اعرف نفسك"؛ فالإنسان لو استطاع معرفة نفسه ومعرفة إمكانياته وقدراته، وأيضا من يكون وسط هذا الطريق الطويل الذي رُبما يكون مظلما لاستطاع أن يواصل الطريق بكل تحدياته.

فالإنسان في حالة من البحث المستمر عن اللاشيء، هو نفسه بالكاد لا يعرف ماذا يريد، حتى وإن كان يمتلك كل شيء، دائما يجد ما ينقصه، لكنه فعليًّا لا يعلم ما هو هذا الشيء الذي ينقصه، فقد يكون عبارة عن شيء مادي، ولربما في أحيان أخرى يكون عبارة عن شيء معنوي.. وفي الحقيقة، أنَّ الحياة هكذا بكل تجلياتها، هناك شيء ما دائما ينقصنا، ويقودنا في كثير من الأحيان للشعور بحالة من الاكتئاب، وعدم فهم أنفسنا أيضا.

وفي حقيقة الأمر.. هناك تحدٍّ فعلي في البحث عن مكامن النفس البشرية والوصول لمرحلة من الرضا التام، هناك شيء لا نعرف كيف يحدث، ولماذا يحدث، توقيت حدوثه، وكأنها رسائل من السماء، أيضا لا نُدركها ولا نستطيع أن نفهمها، لكننا يجب أن نسعى -وبشكل كبير- لتجاوز هذه المرحلة التي نقف فيها عند مفترق الأشياء، علينا تجاوزها دون التفات لما خلَّفته لنا، خاصة وأن الوقوف عندها يطيل حالة الانتظار والترقب والتفكير والتعمق فيما حدث لنا.

أعتقد أنَّ النفسَ البشرية لديها الكثير من الصراعات الداخلية التي لا يعرف الإنسان نفسه مصدرها، فحتى في قمة السعادة تجد الشخص في حالة من الحزن على اللا شيء، عن مجهول، عن شيء يُشعِره بالألم والرغبة في البكاء، لكن لا يُدرك ما هو، كل هذا يجعل الشخص دائمًا يستشعر ما حوله، ويعطي لكل شيء ردة فعل معينة؛ فتجد الشخص رغم تفاصيل السعادة المحيطة به إلا أنه يذهب بنفسه نحو الهاوية، وهذا أيضا ينطبق على الوضع الحالي الذي يعيشه العالم في ظل الأزمات، وفي ظل فيروس غير مرئي قلب حياة العالم رأسا على عقب؛ فحتى في هذه الظروف والأوضاع الشخص يشعر أنه لا يعرف ما المصير الذي سيؤول إليه، وهل هي النهاية أم أن هناك فصلا آخر لا يزال ينتظره الكثير من الأشياء التي يعيشها فيه، في ظل هذه الظروف يظل يعيش في حالة تساؤلات كثيرة لا يعرف لها إجابة.

إنَّ العالمَ بأكمله غير قادر على إيجاد حل لما نحن فيه، وما دام الوضع على ما هو الآن، فسيظل الإنسان في حالة من التيه، وفي حالة من البحث والتفكير المطوَّل نحو ما يريد ويتمنى، وأهمها من هو وسط هذا الضجيج الذي لا يتوقف، والذي لربما تجاوزه أيضًا.