الإمبراطورية العُمانية.. ليست غويز من رده!

 

حمد بن سالم العلوي

بداية يجب التعريف بالعنوان، وخاصة لغير العُمانيين، وكذلك بعض عُمانيي الزمن الحديث، الذين لم يتلوا ساقية ولا فلاجاً، أو يردوا غيز ماء في حياتهم، فيُقال تصغيراً لفلج الماء "غيز" ويصغّر الغيز بغويز، وهناك غويزات صغيرة تخرج من بين الصخور، وهي ليست ملكاً لأحد، إن هي جرت في مكان غير مملوك، فيحق لكل عابر سبيل أن يحوز عليها، ويتصرف بها دون أن يعترض عليه أحد، لذلك قيل في المثل العُماني "ما كلهم غويز من جرى .. ولا غويز من رده" ويضرب هذا المثل لمن ليس له قرار، ومعناه ليس كل الناس ما لهم قرار مثل غويز جارٍ في الفلاة، فيأتي من يأتي فيرده نحوه دون اعتراض على ذلك، وقريب من هذا المثل يُقال عن الشخص المتفيّق كلما قيل له تذهب معنا قال أنا معكم، فسميّ "ربيّع من خطف" وذهب مثلاً بين النَّاس.

لذلك أنا أجزم أن عُمان لن تكون تُويبعاً لأحد، وقد ظللت أرقب سياسة بلدي "عُمان" منذ أن تولى زمام الأمور فيها السُّلطان قابوس- طيب الله ثراه- قبل خمسين عاماً مضت، فلا أجد مُفاجآت في السياسة العُمانية الدولية، وهي لن تهدم صرحاً عظيماً من العزة والكبرياء، بنته على مدى عقود بل قرون بعيدة، وظلت تُحافظ عليه على مدى آلاف السنين، وأراقت دماء أجيال من رجالها العُظماء الصناديد، دفاعاً عن استقلالها وسيادتها الكاملة، وصبرت على أكل الغاف والسّيداف والتمر وصيد البر والبحر، كي لا تُذل أو تُهان، وخاضت بحاراً ومحيطات في شمم من العزة والإباء، حتى لا تستكين لوضيع، أو ترهب من جبار في الأرض، إلا جبار السموات والأرض وحده.

إذن عُمان ستظل هي عُمان، ومن رأى سُلطانها يشرئب بعنقه إلى العلياء، وهامته تطاول عنان السماء يوم أتاه مُدعي الكبرياء، ففي ذلك إيماءة للأحرار لمن يفهم الإماءة دون التكرار بالأقوال، إذن؛ فتلك الأنفة والافتخار تُوحي بالرفعة والعزة بالله وحده دون سواه، وحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- يعرف أنَّه يقف على صهوة عُمان القوية بالعزة والمجد، وخلفه شعب عُمانيّ عربيّ أبيّ عظيم مغوار، فالعلياء دربه المحببة، وينكر دروب الانحدار، فليس يرضى إلا الكرامة والنخوة والشهامة والإباء، ولا يرضى السير في الدروب الخافقة، ولا السير في الطرق العرجاء أو خلف قوافل الصغار، أولئك الذين تربوا على قطع الطرق وإرهاب الآمنين في البلاد، أو السير تحت جنح الظلام تسللاً وهرباً من طلاب الحق.

إنَّ العظمة والزعامة العُمانية صنعتها الدماء، ولم يصنعها الدرهم والدولار، فعُمان هي من ألِفها التاريخ كمصدٍّ للأهوال، وهي من قاد الأساطيل شرقاً إلى الصين، وغرباً إلى نيويورك وأوروبا، وكان العالم يوم ذاك ينظر باعتزاز إلى العلاقة مع عُمان، وقد غصّت مكتبات العالم بالتاريخ العُماني المُشرّف، يوم كان غيرنا تائهاً في الأرض يبحث عن لقمة العيش ليسد بها رمقه، فكانت الأساطيل العُمانية تملأ البحار أمناً وسلاماً ورعباً للفجار.

إنَّ من كان هذا تاريخه لا تُغيِّر سياسته تغريدة عبر تويتر، أو فرية من صغير أو حقير، وليس من شأن العظماء أن يُحركهم زعيق الغربان، فنحن في عُمان وكما قال الكاتب والمُحلل السياسي علي بن مسعود المعشني نعتبر التطبيع مع الصهاينة "رجسٌ من عمل الشيطان فتجنبناه" ولا يغرّن ولا يخدعنّ أحداً ما كنَّا نفعل من محاولات سياسية تحت ضوء الشمس، بغية منِّا لخدمة الأمة العربية، والقضية الفلسطينية، فلو كانت النوايا خبيثة لأدرنا الحوار تحت جُنح الظلام، كما ظل يفعل الصبية الصغار ذلك، ولو علمنا أنَّ في الأمر خيراً لسبقنا الجميع إلى ذلك، كما كسرنا من قبل حاجز الصَّمت من العلاقة مع الاتحاد السوفيتي وقتذاك، يوم قررنا إنشاء علاقات دبلوماسية دون رضا بريطانيا وأمريكا ودول الجوار، فضجَّت الدنيا يومها حيث كان كل شيء محرماً إلاّ بموافقة الكبار، ففعلنا ذلك لأنَّ الجميع يعلم أننا كنَّا كباراً ومازلنا ولو معنويا، فلا يجوز أن نقف مع الصغار، فلم نأبه للضجيج مهما تعالت قراقيعه الجوفاء أبداً، وسرعان ما لحقوا هم بالركب، ولسنا نحن في عُمان من يلحق بالآخرين.

ثم إن نحن فعلنا ذلك، فلمن سنسلم راية السلام والوسيط النزيه؟! إذا نحن في عُمان تخلينا عن هذه المهمة الأزلية الأصيلة!! ومن سيأتي بالأسرى من سجون المتخاصمين، إن أُطفئت شمعة النور العُمانية؟! فليس في المنطقة المُحيطة بنا وحسب، وإنما حول العالم أجمع، لِما أصبح لعُمان من مصداقية، وثقة دولية في السياسة العُمانية الحكيمة، فنحن من يُمثِّل معيار التوازن بين الخير والشر.

وإذن نقول لكم، العبوا على الهوامش في المحيط المجاور، واتركوا عُمان وشأنها لعلها تأتيكم بالخير العميم! كما فعلت ذلك يوم منعت حرباً بقوتها المعنوية لا العسكرية، حيث كانت حتمية الوقوع في العام ٢٠١٣م، فتحركت عُمان بسلطانها الفذ الحكيم جلالة السلطان قابوس - رحمة الله عليه - فأوقفت كارثة كانت ستحل بالمنطقة والعالم، يوم صار هدير محركات الصواريخ يهز المنطقة كالزلزال المُدمر، ولأنَّ عُمان تريد فعل الخير ولا تريد قرع طبول الإعلام، فلم تذكر لأحد يومها ما جرى؟! وإنما سُربت المعلومات من جهات أخرى، وكَتَبَ عن ذلك الحدث بعض الكتاب، وإن كان على استحياء، ومع ذلك أغاظ فعل الخير العُماني الصبية الصغار، الذين ظلوا إلى اليوم، يجرُّون المنطقة دون وعي إلى الهاوية بل الكارثة عينها.

فنقول لمن غرِقوا في رمال التطبيع، فقد طبعتم بمراكبكم الصغيرة في قاع لجيّ من فوقه ظلمات ومن فوقه سحاب ركام على ركام، وإن عُمان المجد والتاريخ، لن تُعلن مظلة توارى بها سوآتكم التراكمية، ولن ننقذكم رغم أنوفكم من تلك المذلة، فذلك حتفكم الذي صنعتموه بأيديكم، وغروركم وحماقتكم اللامتناهية، فلا أنتم ناجون من هول ما صنعتم بأيديكم، ولا حاميكم الوهمي ناجٍ من الغرق، وحتى وإن قلنا لكم اتركوا عُمان في شأنها .. فلن تفعلوا، ونحن على يقين أن بغيكم ليس له حدود، ولكن عُمان بإذن الله ناجية من كيدكم بعزة لله ربِّ العالمين، لأنه ليس في عنقها دين لأحد، ولا في رقبتها دمٌ زكيٌّ لمسلم أو غيره.

إذن؛ نُؤكد لكم أن عُمان الإمبراطورية ليست غويز من رده، وعُمان إن لم يوجه لها سؤال مُباشر من جهة مُعتبرة، فهي غير مُعتادة على الرد على الذباب الطنَّان، فلا تنتظروا منها ردوداً في غير مكانها، والمسؤولون الفلسطينيون أكانوا في أريحا أو غزة، يعرفون عُمان وما تقدم للقضية الفلسطينية دون ضجيج وترويج، وقبل هذا وذاك نحن نعرف من نحن .. وهذا يكفي، فلن ندخل مع أحد في بازار المزادات، وعن التأييد فقد أيدنا مصر في السبعينيات، ويومها كفر العرب بمصر، وأخرجوها من العروبة، ولكن لم يجبرنا أحدٌ على التطبيع، حفظ الله عُمان وشعبها الأبيِّ وسلطانها الأمين الهمام .. والعزة لله ربِّ العالمين.