أحكام القضاء الإداري ومعضلة التنفيذ

عبدالمجيد يحيى الراشدي

نص النظام الأساسي للدولة على أنَّ القضاء مستقل وأنَّ التقاضي حق مصون للجميع وتكفل الدولة تقريب القضاء بين المتقاضين، ونص كذلك على إنشاء محكمة مختصة للنظر في الخصومات الإدارية وأتاح قانون المحكمة للأفراد رفع الدعاوى ضد القرارات التي تصدرها أجهزة الدولة والتعويض عنها وفق الاختصاص المبين في القانون، وضمن القانون للمتقاضين إصدار الحكم البات المنهي للنزاع وتنفيذه، تطبيقا وإعلاء لمبدأ المشروعية، وحماية الأفراد من تعسف الإدارة، كما نص القانون على عقوبات على عدم تنفيذ الأحكام.

وثقة المواطن في إدارات الدولة كبيرة عندما تتصرف كخصم شريف عند المحاكمة، وذلك بتقديم كل الأوراق والمستندات، والعمل بكل ما من شأنه إعانة المحكمة على اتخاذ الحكم العادل، وبعدها تقوم بتنفيذ الحكم طواعية دون اللجوء للمحاكم للتنفيذ، إلا أنَّ سلوك الكثير من الإدارات مخالف لذلك ولا تأبه كثيرا للمحاكم ولا لأحكامها، فهي تُعرقل المحاكمة بصور شتى من التأخير في الرد على المحكمة وعدم تقديم المستندات أو تقديمها ناقصة أو تقديم نسخة مخالفة للحقيقة، وكذلك تلجأ تلك الإدارات إلى عدم تنفيذ الأحكام طواعية باللجوء إلى الوسائل القانونية التي مكنها إياها القانون وتستغل بطريقة سيئة كالتماس إعادة النظر والاستشكال في التنفيذ للتأخير والتسويف، وأحيانا لجر صاحب الحق لمشاكل أخرى باستغلال سلطاتها بإصدار قرارات جديدة ضده، وهي بذلك تمس مبدأ الثقة المشروعة بين الدولة والأفراد، بداية لعدم اعترافها بالخطأ ومكابرتها بكل ما أوتيت من قوة عند إجراء المحاكمة، وبعد صدور الحكم لا تنفذ الحكم وتصر على عدم التصحيح طواعية وتبحث عن كل وسيلة للتأخير والتعطيل، في حين إنَّ المفترض أن تكون الإدارة الحكومية مثالاً يقتدى به وتكون خير معين للسلطة القضائية في نفاذ القانون.

تلك المُمارسات المُخلة والمخالفة للنظام الأساسي للدولة خاصة وللقوانين عامة تصبح معها الدعاوى القضائية والأحكام غير ذات جدوى وتهدد الاستقرار والطمأنينة للأفراد وتزعزع الثقة بينهم وبين الدولة، فما فائدة الأحكام إن لم يتبعها تنفيذ فوري، وقد جاء ضمن الخطاب الشهير للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى القاضي أبي موسى الأشعري في شأن القضاء والقضاة " لا ينفع تكّلم بحقّ لا نفاذ له" ، أي لا نفع للأحكام ما لم تنفذ.

ولجعل دور محكمة القضاء الإداري أكثر فعالية ونفاذا، نقترح أولاً: تعديل القوانين المرتبطة برفع الدعاوى وجعلها أكثر حزماً وصرامة في شأن كل من يساهم في عرقلة المحاكمات وعدم الاكتفاء بالغرامات البسيطة التي تفرضها المحكمة حاليًا، وكذلك في شأن من يعرقل تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارات الحكومية، واعتبار الخطأ في حقهم خطأ شخصياً يتحمل مسؤوليته وليس خطأ مرفقياً تتحمله الإدارة، وتشدد العقوبة عند التكرار. ثانيا: جعل الاختصاص لمحكمة القضاء الإداري للنظر في دعاوى طلب تنفيذ الأحكام الصادرة منها، وأن تنظر كدعوى مُستعجلة من دون رسوم، وهو ما يجعل القضاء الإداري أكثر حرصاً على تنفيذ أحكامه، ويحقق وفق النظام الأساسي كفالة الدولة تقريب القضاء بين المتقاضين بشكل عملي ملموس. ثالثا: أن يكون من ضمن اختصاص جهاز الرقابة المالية للدولة وكذلك لمجلس الشورى حق رقابة تنفيذ الأحكام وتضمين تقاريرهم المرفوعة لجلالة السُّلطان.

موضوع المقال مشكلة قائمة معقدة في معظم الدول حتى التي سبقتنا بمراحل في إنشاء القضاء الإداري، ونرجو أن تكون بلدنا سباقة في حل هذه المعضلة أو التخفيف منها بالنظر في تعديل القوانين المرتبطة لتكون محاكمنا قولا يتبعه فعل، وختاماً فإننا قد نصيب وقد نخطئ وإنما غايتنا دوما "لأجل عمان أفضل".

تعليق عبر الفيس بوك