التاريخ.. والعلوم السياسية

 

يوسف عوض العازمي

"في عصرنا لا يوجد شيء اسمه بعيداً عن السياسة.. كل القضايا هي قضايا سياسية" - جورج أورويل

******

قد يكون العلم الأكثر ارتباطا بالتاريخ هو علم السياسة؛ لدرجة أحيانا لا تميز: هل أنت تقرأ تاريخا أم سياسة؟ بالطبع أتحدث عن تأريخ وتحليل وسبر أغوار الأحداث السياسية، التي يستحيل نقشها على الورق أو الشاشة دونما الاستعانة بالتاريخ ومعطيات الأرقام وتنبؤاتها!

يقول د. إسماعيل أحمد محمد: "إنَّ كل ما يضعه علماء السياسة في الوقت الحاضر، أو تاريخ السياسة في الماضي من شروحات وتحليلات بين يدي المؤرخين، سوف يكون أداة مفيدة ونافعة تساعد المؤرخ على الإبداع في كتاباته ومؤلفاته التاريخية".

عندما يقوم طلاب العلوم السياسية بدراسات حول الأحداث المهمة التي غيرت وجه السياسة والعلاقات الدولية في عدة حقب زمنية، سيكون التاريخ مرافقا لهذه الدراسات، مثلا يعد صلح وستفاليا في سنة 1648م، أول اتفاق دبلوماسي في العصور الحديثة، وقد أرسى نظاما جديدا في أوروبا الوسطى مبنيا على مبدأ سيادة الدول.  وعصبة الأمم تأسَّست عام 1919م، والحرب العالمية الأولى في 1914م، وهكذا دواليك، أي أن التاريخ والسياسة لا غنى لأحدهما عن الآخر.

حتى في التحليل التاريخي لحدث ما، ستجد نفسك وكأنك تحلل سياسيا؛ لأنَّ الارتباط وثيق جدا بين التاريخ والسياسة؛ من خلال سبر أغوار الأحداث وتحديد مرتكزاتها وعناصرها ومقوماتها على اختلافها.

يقُول مؤلف كتاب "حضارة عصر النهضة في إيطاليا" ياكوب بوركهارت، إنَّه يُمكن أن يختلف التاريخ الدبلوماسي عن العلاقات الدولية؛ حيث يمكن للأولى أن تهتم بالسياسة الخارجية لبلد ما، بينما يتعامل الأخير مع العلاقات بين بلدين أوأكثر. يميل التاريخ الدبلوماسي إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لتاريخ الدبلوماسية، بينما العلاقات الدولية أكثر اهتمامًا بالأحداث الجارية، وخلق نموذج يهدف لتسليط الضوء على السياسة الدولية.

أتذكَّر كُنت أدرس تخصص التاريخ، وقدمت على تخصص العلوم السياسية كمساند للتخصص، كنت أتوقع أني سأخرج من عباءة التاريخ لآفاق السياسة، ثم وجدت أن التاريخ معي أينما كُنت بصحبة السياسة، لا يبدأ موضوع سياسي إلا والتاريخ له مقعد في الموضوع، هما صنوان، بل مساندان لبعضهما، وهنا وعن تجربة أجد أن دراسة التاريخ مع العلوم السياسية مفيدة للطلاب ذوي التطلعات للعمل في حقل الدبلوماسية أو ماشابهها من الأعمال ذات الارتباط والصلة بالسياسة، وعلينا أيضا أن نؤكد أهمية دراسة الفلسفة وعلم الاجتماع، لأنَّ هذه التخصصات "التاريخ/ السياسة/ الفلسفة/ الاجتماع" كلًّا منهما يكمل الآخر.

وفي التاريخ الإسلامي توجد مشاهد سياسية لا تُعد ولا تُحصى، بل أحيانا تشعر وكأنه لم يخرج عن السياسة، نتذكر صلح الحديبية، وكذلك التحكيم، وأحداث الخلافة الأموية وكذلك أحداث فارقة في الخلافة العباسية وغيرها الكثير مما بُحث وتم تأليفه وتأريخه ويحوي من الدروس المستفادة الكثير.

بالنهاية.. مَن لم يعرف التاريخ لا يصلُح كسياسي، أول خطوات السياسي هي معرفة التاريخ وفهم عدة أحداث تاريخية ذات صلة بعملة وتخصصة. أما السياسي الذي لا يهتم بالتاريخ، فقد يكون هو نفسه موضوعا تاريخيا للعبرة والعظة!

دائمًا علينا أن نقرأ ونفهم التاريخ، علينا أن نعتبر من الماضي ليكون نبراسا لنا في المستقبل.