شاب رائع من البحرين (3)

 

عبدالله الفارسي

 

يقولون إنَّ الحديث عن الجمال يُلطف القلوب ويُبهج النفوس ويُطفئ مشاعر الغضب ويغسل سخائم النفوس.

دعوني أحدثكم شيئاً قليلاً عن الجمال الذي قرقع قلبي

حين دخلت السكن الذي قررت النزول فيه في كوالالمبور، طلب مني صديقي عبدالرحمن البحريني أن أسبقه إلى الطابق الرابع وانتظره في تلك الردهة الجميلة المُطلة على حوض سباحة المبنى. أخذ عبدالرحمن جواز سفري وذهب إلى إدارة المبنى ليدون اسمي ضمن الزوار المُقيمين في المبنى السكني وصعدت أنا في المصعد متجهاً إلى الطابق الرابع كما طلب مني. وصلت إلى ردهة الطابق الرابع ووقفت أتأمل المكان ومساحته واستكشف البناء وجماله وأراقب الفناء وروعته. أذكر أنني كنت واقفا قريبا من باب إحدى شقق الطابق الرابع وفجأة فتح الباب، وسمعت بعدها صوت ارتطام وانكسار تلته شهقة نسوية عنيفة.

التفت فجأة إلى مصدر الشهقة ومكان الانكسار ففوجئت بفتاة بارعة الجمال تقف مُتحسرة شبه باكية أمام هبشة من قطع الزجاجات المُتناثرة، حاولت الفتاة أن تنحني لالتقاط الزجاجات، فواجهتني بعجيزة عجيبة عجيزة مُتوحشة، كدت أسقط مغشياً عليَّ من انحناءاتها الصاعقة تلك، لكني كالعادة في مثل هذه المواقف المزلزلة امتلكت أعصابي وبلعت ريقي وعصرت مصاريني.

واقتربت منها مبعدًا يديها عن نثارات الزجاج المُتشظي، وقلت لها: لا عليك يا سيدتي حصل خير لا تلمسي الزجاج ودعيني أنظف هذه الفوضى، فقالت لي وهي ما زالت في حالة من الصدمة: كانت أجمل كرستالة أملكها لقد خسرت تحفتي الفنية الوحيدة.

فرفعت عيني إلى عينيها والتقى وجهي بوجهها،  فصوبت بريق عينيها إلى عيني الصحراويتين القاحلتين فأمطرتهما بالنسيم والثلج وأغرقتهما بالغيث والمطر، كانت عيناها كغابة أمازونية لحظة شتاء عاشق. كانت مقلتيها كبحيرة أرخبيلية نائمة، كانت ملامحها كجزيرة رملية يُعانقها شاطئ فاتن ساحر.

هنا لم يحتمل قلبي تلكم العينين ولم يصمد فؤادي أمام ذاك البريق والصقيع، كدت أسقط واتشظى، كدت أتحول إلى جزء حقير من شظايا ذلك الكريستال المكسور.

قلت لها: لا تبكي على قطعة كريستال يا سيدتي، فأنتِ مازلتِ تملكين أشياء ثمينة جداً، ما زلت شابة جميلة تملكين عينين ساحرتين وعجيزة بارعة، وجسد لم أره في لوحات دافنيشي ولا في ألوان بيكاسو، وشفتين لم أقرأ عنهما في التاريخ، ولم اسمع عنهما في الأساطير!!

جاء عبد الرحمن فجأة وقطع عليَّ "قصيدتي السعيدة"، وسحبني من يدي كطفل مُصاب بالتوحد، وأوقفني بعيداً عن الفتاة ثم ذهب إليها ربما ليُساعدها في التقاط شظايا الزجاج المكسور، وسمعتها تهمس له: من هذا الرجل المجنون ياعبد الرحمن!