شهادة للبيع أو التنازل!

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

قرار وزارة العمل بتحديد الحد الأدنى للأجور نزل كالصاعقة على رؤوس الشباب، وفرّغ الشهادات العلمية والخبرات العملية من مضامينها، وساوى بين المُجدّ الطموح وبين الكسول الأميّ، وجعل المُواطنين سواسية في الجهل والعلم، بل واستطاع أن ينتزع طموحات وتطلعات الشباب الطامحين لمُستقبل أفضل من منبتها، ويرمي بها في (مهاوي الردى)، ويفتح الباب للمُتاجرين باسم الوطن للتحكّم في رقاب الشباب دون أن يرف لهم جفن، أو أن يهتز لهم قلب.

وفوق كل ذلك جاء القرار معاكساً لرؤية "عُمان 2040" والرامية إلى حياة أفضل، ومُستقبل مُشرق للوطن والمواطن، ولعل المهلل الأكبر لهذا القرار هم أصحاب العمل الذين سيحكمون قبضتهم على أعناق الشباب باسم القانون، ودون أن يكون هناك رقيب أو حسيب عليهم، فمن أراد العمل بهذا الراتب فأهلاً وسهلاً، ومن لم يرد فطابور المنتظرين طويل يغص بالآلاف من الباحثين عن عمل، ولو بأجر (اليوميّة)، ولا عزاء لأصحاب الشهادات وسنوات عمرهم الضائعة هباءً في الغربة أو خلف الكتب والبحوث الجامعية.

القرار الممهور باسم وكيل وزارة العمل وليس باسم الوزير جاء غريبًا في توقيته، وجهة إصداره، وكأنَّه قرار عاديّ لا يجب الالتفات إليه، ولم يمر هذا القرار المصيري على قنوات (تمثيل الشعب) التي ما زالت مُغيّبة عن المشهد، وكأنها مُجرد واجهة وطنية غير ذات صفة، فمثل هذا القرار كان يجب أن يمر على قنوات البرلمان العُماني المنتخب (مجلس الشورى)، وعلى البرلمان المُعيّن (مجلس الدولة) وتتم دراسة تبعاته وتداعياته، كما أنه جاء دون أن يراعي مصالح الشعب أو ما يُسمّى بالمصلحة العامة، فكان- للأسف- قرارا قاصرَ النظر لم يرَ إلى ما هو أبعد من يومه، فمثل هذه القرارات المُتعلقة بمصير الأجيال القادمة ومستقبل الوطن لا يجب أن تصدر دون مُراعاة لكافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، ودون أن تمر على قنوات رسمية وشعبية كاتحاد العمال.

القرار يعني أنَّ على الشباب أن يترك الجامعات ودور الدراسة ويبحث له عن موطئ قدم لوظيفة بأجر متدنٍ منذ الآن، ويعني أن توفّر الأسرة مصاريف الدراسة والكتب والكرّاسات وتتجه بأبنائها لسوق العمل، علّها تجد لهم وظيفة يستطيع بها ابنهم أو ابنتهم أن يصرفوا على أنفسهم، إلى أن يتعطّف عليهم ربّ العمل أو المدير الوافد بترقية أو زيادة في الراتب بعد عشرين عاماً، ومعناه في شقه الأخطر هجرة أصحاب الشهادات والأدمغة العُمانية إلى الخارج، فحين يضيق الوطن بهم، فسيلجأون للبحث عن لقمة عيشٍ كريمة في وطن غريب، وهذا ما لا يرضاه صاحب الجلالة- حفظه الله ورعاه- الذي يهمه أبناء عُمان وأجيالهم ومستقبلهم أكثر من أي مسؤول أو تاجر في هذا البلد الغني بثرواته البشرية والطبيعية، غير أنَّ بعض القرارات المكتبية تصدر من بعض المتنفذين والمسؤولين دون إدراك أو دراية أو سعة أفق لما هو خير للوطن ولمواطنيه.

لابد من الرجوع إلى ربط التوظيف بالشهادة والخبرة العلمية والعملية، وأن يتم احترام الجهد والمثابرة والعلم الذي هو أساس تقدم الدول وبنائها، وإجبار الشركات الكبيرة على التكيّف مع الوضع، فحل سوق العمل لا يجب أن يكون بالتضحية بالحلقة الأضعف وهم الباحثين عن عمل، واستغلال ظروفهم المعيشية وحاجاتهم الحياتية، بل من خلال حلولٍ مُبتكرة وبعيدة المدى، تؤسس لمستقبل مشرق للأجيال وللوطن، وتسعى لاستثمار طاقات الشباب وعقولهم وليس إحباطهم، وذلك يأتي من خلال العقول النيّرة الواسعة الإدراك التي تنظر للأبعد، وترسم الغد الحالم للمُواطن، فالسلطنة لن تكون ضحية لقرارات تؤسس للجهل، وتخنق المُستقبل، وترسل به وبأبنائه إلى المجهول.