شاب رائع من البحرين (2)

عبدالله الفارسي

عبدالرحمن كان شابا بحرينيا من سكان هذا المجمع السكني الهائل، شرحت له ظروف قعدتي المهزومة وقصة حقيبتي المنفوخة، وأنني انتظر أي شاب عربي أو خليجي يخرج أو يدخل المجمع السكني، فحراس المجمع كما ترى يراقبونني وكأنني مجرم مشتبه به، ولم أتمكن من الاقتراب أكثر، فهم كما سمعت لا يسمحون بدخول أي غريب دون تصريح مرافقة من أحد قاطني المجمع.

وطبعا أوضحت له رغبتي في البحث عن غرفة شاغرة في هذا المكان الضخم الجميل، رحب عبدالرحمن بكلماتي، واستساغ نبرتي، واقتنع بمقالي.

وقال لي: ليس من الصعوبة بمكان العثور على غرفة شاغرة، لكن المهم أن تختار من ستسكن معهم. لذلك ستكون ضيفي حتى نجد لك سكنا ملائما يلائم عقلك العجوز، وينسجم مع نفسيتك الطافحة بالتراب، المعبأة بالوهم!

لذيذ عبدالرحمن هذا، كلذة البحرين وأهلها وشواطئها وحلواتها ولهجتها الحميمة. كان ضحوكا، بشوشا، حاضر النكتة. تجانس تماما مع طبيعتي الساخرة، وغريزتي المتشائمة القلقة!

لقد انجذبت روحي لروحه، اجتذاب روح النصر لجوهر الهزيمة،اجتذاب روح الصعود والابتهاج والأمل بروح الإنكسار والإحباط واليأس. إنه ذلك الإنسجام الفريد والغريب للأرواح المتضادة، والأنفس المتناقضة، والأمزجة المتعارضة.

فهناك من أرواح البشر من يلتصق بروحك مباشرة، من اللمحة الأولى، من الكلمة الأولى، ومن الهمسة الأولى، فيغرس روحه في روحك، فتلتصق في أعماقك، وتعيش بين جوانحك، لتبقى محلقة في ملكوتك ردحا طويلا من الزمن، لا تتزحزح، لا تسقط، ولا تنطفيء.

وبالمقابل هناك من الأرواح النشاز المزعجة والتي تبغضها وتمقتها من الثواني الأولى.. أرواح لا تتجانس مع روحك، ولا تتطابق مع أعماقك، ولا تمت لروحك بأية صلة أوعلاقة، ولا تتوافق مع عالمك الداخلي، ولا تتصالح مع جوهرك العميق، فتظل تتعامل معها بهذه الشاكلة من النفور، وذاك المستوى من الابتعاد والهروب، مهما قدمت لك من قرابين الود، وأزهار التقرب وروائح الرغبة، ومهما اجتهدت محاولة أن تنسج مع روحك خيوط الارتباط، وأسلاك التعلق، فقد رفضتها الروح من الوهلة الأولى.

الروح التي لا تستسيغها لا يمكن أن تقبلها روحك وإن اكتست باللوز والجوز والفستق. لغة الأرواح لغة سماوية ربانية، الأرواح جنود مجندة، كواكب مصغرة، لا يفهمها سوى الأنبياء، ولا يتقن مسالكها وأسرارها غير القديسين والملائكة.

لقد غرس هذا الشاب البحريني روحه في أعماق روحي من اللمحة الأولى، من الضحكة الأولى!

... يتبع في الجزء الثالث.