في إطار ممارسة الحزب الحاكم لـ"القيادة الشاملة في جميع القطاعات بأنحاء البلاد"

توجيه القطاع الخاص الصيني للانضمام إلى "الجبهة المتحدة" لتقوية "السلاح السحري" وهزيمة "الأعداء"

 

توجيهات رئاسية في الصين لشركات القطاع الخاص بدعم مواقف الدولة السياسية والاقتصادية

30 مليون شركة تسهم بـ60% من الناتج المحلي.. والضرائب نصف الإيرادات العامة

القطاع الخاص في الصين يوظف أكثر من 80% من العمال

خبير لـ"CNN": الرئيس الصيني "صقر جسور" لا يهتم بالغرب وأولويته الحفاظ على الدولة الصينية

 

ترجمة - رنا عبدالحكيم

نَشَرت شبكة "سي.إن.إن-بيزنس" الإخبارية تقريرًا مُوسَّعا عما قالت إنها رسائل بعثها الرئيس الصيني شي جين بينج إلى شركات القطاع الخاص في الصين؛ مفادها أنه بإمكان هذه الشركات تحقيق الأرباح، لكن فقط إذا اتبعت "القواعد".

ونشر الحزب الشيوعي الصيني الحاكم هذا الشهر مجموعة صريحة بشكل غير عادي من المبادئ التوجيهية التي تدعو أعضاءه لـ"تثقيف رجال الأعمال في القطاع الخاص لتسليح عقولهم مع أيديولوجية الاشتراكية (لشي)". وقالت التوجيهات إن القطاع الخاص يحتاج إلى "أشخاص يتمتعون بالحكمة السياسية"، والذين "سيستمعون بحزم إلى الحزب ويتبعونه".

وتأتي الرسالة في الوقت الذي يواصل فيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم تعافيه من جائحة الفيروس التاجي والصراع مع الولايات المتحدة حول التجارة ومستقبل التكنولوجيا. وبحسب تقرير نشرته شبكة "سي.إن.إن بيزنس" الأمريكية، فإنه يمكن أن يساعد دفع الشركات الخاصة الصينية ذات العقلية المستقلة إلى تسريع هذا التعافي، بالتزامن مع بسط سيطرة أقوى زعيم شهدته البلاد منذ عقود في وقت تتزايد فيه التحديات في الداخل والخارج.

وعلى الرغم من أنه لم يتضح بعد التأثير العملي الذي سيحدثه التوجيه الأخير على المؤسسات الخاصة في الصين، فإن إحدى العبارات التي اشتهر بها شي كانت "يمارس الحزب القيادة الشاملة في جميع المساعي في جميع أنحاء البلاد". ويشير التوجيه إلى أن الزعيم الصيني يريد اتخاذ المزيد من الإجراءات العلنية لتوضيح أهمية فلسفات الحزب الشيوعي. وقد يعني ذلك مطالبة الشركات الخاصة باتخاذ مواقف عامة بشأن الشؤون السياسية أو الخارجية الرئيسية، مثل أي نزاعات إقليمية تشارك فيها الصين.

ويعدُّ القطاع الخاص جزءًا حيويًّا من اقتصاد الصين، وتُسهم أكثر من 30 مليون شركة خاصة بأكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتمثل الضرائب التي يدفعونها أكثر من نصف الإيرادات الحكومية، ويوظفون أكثر من 80% من عمال الصين.

ودعت الوثيقة الحزبية صراحة إلى أن يصبح القطاع الخاص جزءا من "الجبهة المتحدة"، وهو تحالف من الأفراد والمنظمات المكلفة بتنفيذ أجندة الحزب وخلق تحالفات بين من لديهم فلسفات مماثلة. ويمكن إرجاع أصول الشبكة إلى ما يقرب من قرن من الزمان، وقد اعتبرها الرئيس ماو تسي تونغ "سلاحًا سحريًا" ساعد الحزب الشيوعي على الانتصار على أعدائه.

وأعرب السياسيون الصينيون في الماضي عن قلقهم من أن عدم الاستقرار الاقتصادي المطول قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية. وبالنظر إلى الاضطراب المالي الذي مر به القطاع الخاص في البلاد في السنوات الأخيرة، فقد تكون الحكومة مترددة في منح تلك الشركات الكثير من الحرية في وقت غير مستقر.

وأشار ويلي لام الأستاذ المساعد في مركز دراسات الصين بالجامعة الصينية في هونج كونج، إلى أن الصين تواجه أيضًا عداءً متزايدًا من القوى الغربية؛ حيث أضر الخلاف بين واشنطن وبكين بثروات العديد من الشركات الصينية مثل شركة "بايتي دانس" المالكة لتطبيق "تيك توك" وشركة التكنولوجيا "هواوي". وقال لام "شي يريد أن تتصرف الأمة كلها كوحدة واحدة لأن البلاد تمر بتحديات غير مسبوقة.... في ظل الشعور المتزايد بالأزمة، يريد شي أن يتحد الجميع في الصين تحت قيادة الحزب ويتحدثوا بنفس الصوت".

وتباطأ نمو الإيرادات في أكبر 500 شركة خاصة في الصين من حيث المبيعات بنحو 10% في المتوسط العام الماضي، وفقًا لمسح صدر في وقت سابق من سبتمبر الجاري من قبل اتحاد عموم الصين للصناعة والتجارة، وهو غرفة تجارة يقودها الحزب الشيوعي. ويصف الاتحاد نفسه بأنه "جسر" يربط الحزب والحكومة بمجموعات الأعمال الخاصة.

وانخفض نمو الأرباح في تلك الشركات بمتوسط 6% تقريبًا، بينما تراجع حجم القوة العاملة لديها بنسبة 1% تقريبًا مقارنة بعام 2018.

ولا يعدو الأمر أن بكين لم تعد تهتم بوجود قطاع خاص قوي، فرغم كل شيء، فإن شركات القطاع الخاص ضرورية لصحة الاقتصاد.

واعترف رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ في يوليو الماضي بأن مجموعة المشاكل جعلت الشركات الخاصة تمر بـ"أوقات عصيبة". وحث الحكومة وأي شركة مملوكة للدولة على المساعدة في التعافي من خلال سداد أي قروض مستحقة للشركات الخاصة.

وقال تسانغ من معهد SOAS الصيني "في الواقع، إن الرئيس شي ليس مناهضًا للقطاع الخاص في حد ذاته، فهو بينما يضع بوضوح قطاع الدولة في المقدمة، فإنه على استعداد لدعم الشركات الخاصة شريطة أن تلتزم الشركات المعنية بشكل وثيق بقيادة الحزب". وأضاف "لكن بالنسبة للمؤسسات الخاصة التي لا تلتزم بشكل وثيق بتوجيهات الحزب، يمكن أن تتوقع مواجهة ضغوط من السلطات".

غير أن هناك بعض النتائج المترتبة على استراتيجية كهذه، إذ ظلت الدول الغربية غير واثقة من مدى ارتباط بعض الشركات الخاصة ببكين، وهو قلق يتزايد فقط مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين. لكن لام قال إن هذه المخاوف قد لا تهم الرئيس شي كثيرا.

وأوضح الزعيم الصيني بالفعل أنه يريد أن تتخلى بلاده عن اعتمادها على الغرب فيما يتعلق بالتقنيات الأساسية مستقبلا، لا سيما مع تصاعد التوترات الجيوسياسية. وبالنسبة إلى شي والحزب الشيوعي، فإن قطاعات الدولة هي المفتاح لتحقيق ذلك.

وعلق لام على ذلك قائلا: "شي هو صقر جسور.. إنه لا يهتم كثيرًا بالغرب، لأن أولويته تتمثل في إحكام السيطرة على الصين والحفاظ على الحكم بيد الحزب الشيوعي".

تعليق عبر الفيس بوك