أحمد النوفلي **
** باحث في العدالة الجنائية الدولية
لطالما سببت الحروب مآسي وأضرار محزنة في حق البشرية بصفة عامة، والأطفال بصفة خاصة لأنهم أكثر فئات المجتمع ضعفًا وتضرراً من عواقب الحرب، حيث توجد إحصائيات صادمة جداً حول تأثير النزاعات المسلحة على حقوق الطفل، فحوالي 230 مليون طفل يعيشون في بلدان تُعاني من النزاعات المسلحة، من بينهم 20 مليون لاجئ ونازح. كما قتل حوالي 10 ملايين في العشر سنوات الأخيرة أي بمعدل مليون طفل يقتل سنوياً بسبب النزاعات المسلحة، وحوالي 28 مليون طفل لا يتلقون التعليم بسبب ذلك[1]، وتجدر الإشارة إلى أنَّ غالبية هذه الأرقام مرتبطة بدول عربية وإسلامية، وهذا وضع لا ينبغي أن نقبل به أبداً!! فأين نحن من منظومة الأخلاق ومبادئ الإسلام السمحة؟ خاصة وأنَّ الدين الإسلامي كان له دور كبير في أنسنة النزاعات المسلحة وترسيخ المبادئ الأساسية لحماية المدنيين والنساء والأطفال والشيوخ.. ثم أين هي الميكانيزمات الدولية والإقليمية المعنية بحماية الأطفال؟ أليس من المفروض على القانون الدولي الإنساني أن يُوفر الحماية اللازمة للطفل ( خصوصا وأن جميع دول العالم مصادقة على اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949)؟ أين هو الخلل؟ هل أصبح المجتمع الدولي بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في المنظومة القانونية المؤطرة لحقوق الطفل؟
لقد شغلت هذه الأسئلة بال القانونيين والحقوقيين وأصحاب الضمائر الحيَّة عبر العالم، فمظاهر الاعتداء على حقوق الطفل أثناء النزاعات المُسلحة كثيرة ومتنوعة وتعتبر جريمة من الجرائم الدولية التي يهتز لها الضمير الإنساني، وأكثر الانتهاكات الستة شيوعاً هي تجنيد الأطفال واستخدامهم في الحرب والقتل والعنف الجنسي والاختطاف والهجمات على المدارس والمستشفيات والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية[2]. وكل هذه الأفعال لا يوجد لها أي مبرر أخلاقي ولا قانوني بل حتى مبدأ الضرورة الحربية - الذي تتمسك به الجيوش والجماعات المسلحة للتغطية على جرائمها- لها قواعد وأعراف لا ينبغي الخروج عنها، فاستهداف الأسواق والجنائز والمساجد، أو قصف المدارس وحافلات نقل الأطفال ( كما حدث باليمن في 12 أغسطس سنة 2018) يُعتبر جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية بموجب المادتين 7 و8 من معاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية، وهو نفس الشيء بالنسبة لتجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المُسلحة حيث يعتبر ذلك محظورا بموجب القانون الدولي، ولكن حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) فإنَّ أكثر من 2.800 طفل تجندوا للقتال في حرب الكبار باليمن وحدها (التي قتل فيها أزيد من 6800 طفل)، أما في بورما وبسبب الطريقة الوحشية التي يُعامل بها جيش ميانمار الأقلية الروهينجية المسلمة فقد تدفق مئات الآلاف من المدنيين- أكثر من نصفهم أطفال أبرياء لا ذنب لهم – عبر الحدود من ميانمار إلى بنغلاديش مما تسبب في حرمانهم من حقهم في التعليم وفي حياة كريمة[3]، في انتهاك صارخ لاتفاقية الأمم المُتحدة لحقوق الطفل لسنة 1991، كل هذه الانتهاكات وغيرها في مختلف مناطق النزاعات المسلحة تحدث تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي!
إنَّ القانون الدولي الإنساني يُولي أهمية خاصة لحماية المدنيين من أخطار العمليات الحربية. كما أضفى البروتوكول الأول لعام 1977 والملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 حماية خاصة لصالح الأطفال في حالات النزاع المسلح. فنص على أنَّه: "يجب أن يكون للأطفال موضع احترام خاص، وأن تكفل لهم الحماية ضد أية صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن تهيئ لهم أطراف النزاع العناية والعون اللذين يحتاجون إليهما، سواء بسبب صغر سنهم، أو لأي سبب آخر"، وغير ذلك من الحقوق الأساسية الواردة في القانون الدولي الإنساني والتي تعتبر من أهم الواجبات التي تقع على عاتق أطراف النزاعات المُسلحة.
إذن فحماية الأطفال في زمن النزاعات المُسلحة هو مبدأ يكرسه القانون الدولي الإنساني ويلزم به الدول والجماعات المسلحة على حدٍ سواء. كما أنَّ القانون الدولي لحقوق الإنسان يتضمن كذلك أحكاماً خاصة بشأن حماية الأطفال ضد الآثار الناجمة عن النزاعات المُسلحة. وينطبق هذا على اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة.
وبعد سبعة عقود من اعتماد اتفاقيات جنيف، لا يبدو أنَّها، قد وضعت حداً لأي شيء! كما أن العالم أثبت فشله في حماية الأطفال – رغم وجود منظومة قانونية تحميهم- حيث مازالوا يُعانون من شتى أنواع الأذى نتيجة لعدم التزام أطراف النزاع بقواعد القانون الدولي الإنساني، إذن فالخلل يكمن في المُمارسة العملية الواقعية وليس في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، حيث ينبغي على الدول التقيد بالتزاماتها الدولية وأن تقوم بنشر ثقافة القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان على نطاق واسع سواء بين العسكريين والمدنيين، وهذه مسؤولية تقع على عاتق مختلف مؤسسات الدولة وسلطاتها، كما ينبغي خلق آليات وطنية قوية وفعَّالة لضمان الحماية والإنصاف لحقوق الأطفال. كما يتوجب على الدول المصادقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حتى يتسنى لهذه الأخيرة ملاحقة ومُحاكمة كل من سولت له نفسه تهديد أمن وسلامة أطفالنا، وأخيراً وضع حد للحرب وكافة الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، فالسلام ثمَّ السلام هو السبيل الوحيد لبناء الأمل لأطفال سوريا واليمن وأفغانستان وبورما وغيرها من البلدان التي تُعاني من النزاعات المسلحة.
[1] - Karina Weller, How does armed conflict affect children’s rights?, June 2016, was taken from: https://rightsinfo.org/armed-conflict-affect-childrens-rights/
[2] - مقالة منشورة في الموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء، 4 حزيران/يونيو 2020، الرابط: https://www.un.org/ar/observances/child-victim-day
[3] - الموقع الرسمي لمنظمة اليونيسيف: https://www.unicef.org/ar/