البيع الوهمي للأراضي في مناطق الحظر

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

قرارُ حَظْر تملُّك غير العُمانيين للأراضي في المناطق الحدودية والأماكن الحسَّاسة الإستراتيجية أثار الذعر والهلع في قلوب الملَّاك غير العُمانيين، وفي أوساط الوسطاء العقاريين (السماسرة) الذين دأبوا على الاستفادة من عمليات البيع والشراء لصالح أثرياء خليجيين في هذه المناطق، دون نظر إلى ما يُصاحب هذه العمليات من "سوء إدارة" من قبل أولئك "الملاك"، وأُثرِي كثير من هؤلاء الوسطاء نتيجة "احتيال" كان يقوم به البعض منهم من خلال بيع تلك الأراضي لغير العُمانيين بأسعار أعلى مما هي عليه في الحقيقة، وهم يَحسبُون أنَّهم استطاعوا أن "يضحكوا" على ذقون أولئك المشترين، بينما في الواقع المستفيد الأكبر من تلك الصفقات هم المشترون "ومن يقف وراءهم" وليس البائع أو الوسيط البسيط.

وكما يُقال "رُبَّ ضارة نافعة".. فنفس أولئك الوسطاء سيقومون بعملية بيع تلك الأملاك لأنفسهم أو لغيرهم بأقل الأسعار؛ وبذلك يكونون قد استفادوا في الحالتين، وضربوا عصفورين بحجر واحد كما يُقال، إلا أنَّ الخطر الأكبر هو أنْ يُصاحب عمليات "التصرفات" تلك عمليةٌ موازية، من خلال عقود "نقل وهمي" لملكيَّة أرضٍ أو عقار؛ بمعنى أن يتم النقل "على الورق" لمواطن عُماني وبشكلٍ رسمي وموثّق في وزارة الإسكان، بينما يظل التصرف الفعلي لغير العُماني.

والحقيقة أنَّ عمليات الشراء في المناطق الحدودية رغم أنها -في فترة ما- كانت قانونية، إلا أنها شكّلت خطرا أمنيا كبيرا، واستُغِلَّت أحيانا لأغراض غير قانونية من قبل بعض الملاك "الفعليين" السابقين، ونظرَ إليها البعض كثغرةٍ أمنية في قانون الأراضي العُماني، إلا أنَّ المرسوم السلطاني رقم (29/2008) قطع الطريق على تلك المعاملات، وأعطى كل مالكٍ منهم فترة زمنية كافية للتصرف بالعقار المملوك بأيّ شكل من أشكال التصرفات القانونية؛ سواء آل ذلك العقار إليه بالبيع أو الهبة أو الإرث أو الانتفاع، وبذلك يضمن كل ذي حق حقه.

ورغم أنَّ القرار الوزاري التنظيمي لوزارة الإسكان رقم (229/ 2020) الذي فصَّل آلية "التصرفات القانونية" التي وردت في المرسوم السلطاني المذكور، سيشكّل "ضررا وقتيا" على بعض الملّاك غير العُمانيين، وسيُربك حسابات البعض منهم، إلا أنَّه يُعتبر قرارا سياديا بامتياز، وهو يأتي لحفظ أمن واستقرار الوطن، وعدم استغلال أراضيه لأغراض قد تضرُّ بمصالحه الإستراتيجية؛ فحساسية هذه الأراضي غير قابلة للنقاش، أو التداول، ولكن يبقى القلق من صفقات "البيع الوهمي" الذي -أشرتُ إليه- مستمرا؛ فالبعض يستغل ثقة وطيبة بعض العُمانيين لتمرير عملية بيعٍ على الورق؛ حيث تنتقل ملكية العقار إلى مواطن عُماني، بينما يظل "الاستغلال الفعلي" للأرض لغير العُماني، وقد تستخدم هذه العقارات لأغراض غير قانونية دون علم ودراية المواطن، وهي عملية "عُرفية" تقوم على مبدأ الثقة المتبادلة بين البائع غير العُماني والمواطن العُماني، نظير مبلغ مالي، أو أحيانا دون مقابل، خاصة عند المواطنين الذين تربطهم علاقة قرابة أو صلة بغير العُماني، وهم يفعلون ذلك بطيبة نفسٍ، غير مدركين للمخاطر التي قد يسببها ذلك "العقد الوهمي" من سلبيات غير محسوبة  المخاطر.

لقد أشار المرسوم السلطاني في مادته العاشرة إلى تجريم مثل هذا الفعل، ونص على أن: "تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن 6 أشهر، ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن 2000 ريال عُماني، ولا تزيد على 5000 ريال عُماني إذا استعمل الجاني في الجريمة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إحدى طرق الاحتيال". ورغم أن القانون لا يعترف بغير الأوراق والمستندات الرسمية، إلا أن "النوايا" التي لا يستطيع القانون إثباتها بسهولة ستكون هي المنفذ الذي سيحتال به البعض على هذا القرار.

لذا؛ على كل مُواطن في المناطق والأماكن التي حَظَر القانون تملُّك غير العُمانيين فيها أن يكون عينًا لوطنه، وحارسًا أمينًا على مُكتسباته، وأن يضع مصلحة الوطن فوق مصالحه الشخصية الضيقة، وأنْ لا يقع في شباك "العقود الوهمية" بحُسن نيته، وطيبة مقصده، فقد يجد نفسه ضحية عمليةٍ غير قانونية لا يقصدها، بل سيُعتبر شريكا في الجريمة -إن حدثت لا قدّر الله.

وأخيرا.. إلى كلِّ من يُروِّج لفكرة "الخشية" على الاستثمارات الخارجية نتيجة هذا "الحظر"، فليطمأنوا؛ فليس هناك قلق فعليّ في هذا الجانب؛ فأرض عُمان واسعة ومفتوحة لمن أراد التملّك القانوني أو الاستثمار فيها للخليجيين والأجانب، شرط أن لا تقع ضمن نطاق المناطق المحظورة الواردة في المرسوم السلطاني.