ربيع سلطاني في أرض اللبان

سالم الكثيري

عادةً ما يستبشر أهل ظفار بقدوم الربيع؛ لما يحمله من بشائر خير؛ فهو موسم الوفرة وسداد الديون وقضاء الحوائج حين كان المجتمع يعتمد على الزراعة وتربية الحيوانات كمصدر أساسي للغذاء والتبادل الاقتصادي، ومن هنا أتت تسميته بموسم "الصرب" أي الحصاد، وهو موسم عودة المسافرين من الخليج بعد اغتراب سنوات طويلة، وموسم الأهازيج وفن النانا في ليالي السَّمر المقمرة، ومع تحسُّن ظروف المعيشة وتحوُّل السلطنة إلى دولة حديثة في كل مجالات الحياة ما بعد النهضة المباركة، ظل هذا الموسم يحافظ على رونقه وبريقه، وإنْ بطرق مختلفة، ليصبح قبلة السياحة الأوربية وهواة المشي على الجبال ومحترفي التصوير وتسجيل الأفلام الوثائقية... وغيرها من الهوايات.

ومع وصول حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى محافظة ظفار الأسبوع الماضي، مع بوادر ربيع هذا العام، بات الربيع ربيعين؛ حيث أتت بشائر الخير مع مقدمه السامي تَترى؛ فقد تحدَّث -حفظه الله- عند التقائه بشيوخ المحافظة الكرام عن العمل الجاد لحل مشكلة الباحثين عن عمل، وأنَّ عام 2021 سيشهد بداية الحل لهذه القضية، كما تحدث عن الإسراع في إنجاز مستشفى السلطان قابوس الجديد، وتوجه الحكومة لتفعيل أكثر لمطار وميناء صلالة، وفتح المجال بشكل أوسع للاستثمارات الخارجية. وهي كلها مواضيع في غاية الأهمية من الناحية الإستراتيجية للسلطنة ككل؛ وذلك أن الاستثمار الأمثل لمقومات محافظة ما سيكون له الأثر البالغ اقتصاديا على باقي المحافظات.

ولم يأتِ غرس صاحب الجلالة لشجرة اللبان في موطنها الأصلي هكذا جُزافا، بل هي دلالة بارزة على بُعد اللبان التاريخي، ودوره في علاقة عُمان بالحضارات والأمم السابقة؛ حيث كان ميناء سمهرم في "بلاد بونت"، وهو أحد الأسماء القديمة لظفار، يصدر اللبان إلى بلاد مصر الفرعونية وبلاد بابل في العراق والهند والصين؛ باعتباره إحدى أهم محطات طريق الحرير ذائع الصيت، وبقدر ما يعني هذا الغرس دعوة كريمة للمواطن العماني للوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والموروث التاريخي، بقدر ما هي رسالة واضحة وصريحة لا تحتمل التأويل للجهات المختصة للاهتمام بالزراعة عموما؛ وذلك لدورها المحوري في الأمن الغذائي في السلطنة، والعمل على تحقيق التوازن الطبيعي وبيئة مستدامة، وهما من التوجهات الإستراتيجية لرؤية عمان 2040.

من هنا.. أضمُّ صوتي لمن سبقني من الأخوة الكُتَّاب في المطالبة بإنشاء مركز أبحاث للبان؛ بهدف إكثاره وتطويره؛ بما يتواءم ومُعطيات العصر من مختلف النواحي: الاقتصادية، والطبية، والسياحية...وغيرها، كما أنني أؤكد على أنَّ استثمار مقومات منطقة أو محافظة ما لا يعني بأي حال من الأحوال أن تقتصر فائدته على أبناء هذه المحافظة دون غيرها، بل على العكس أن يكون هدفنا هو تحقيق التكامل الاقتصادي عبر الاستفادة القصوى من المقومات التي تتميز بها كل منطقة عن الأخرى؛ بما يعود بالفائدة على السلطنة كليًّا.