موجة ثانية من "كورونا"

 

مدرين المكتومية

بدا ملاحظاً أنَّ الأيام القليلة الماضية تشهد ارتفاعاً في أعداد الإصابات بفيروس كورونا، وأيضاً أعداد الوفيات، بعد أن نجحنا في خفض منحنى العدوى لمُعدلات دنيا، دون مستوى المئتي حالة، فما الذي جرى؟ وهل لذلك علاقة بما يُثيره الخبراء والعُلماء من مخاوف عن تفشي "موجة ثانية" من العدوى في أنحاء العالم؟

المؤكد أنَّ الأشهر الماضية منذ بدء تفشي وباء كورونا في العالم، والسلطنة، غيرت من نظرتنا للأمور، وأضرت تداعيات الجائحة بالكثير من القطاعات، بل فجَّرت أزمة اقتصادية عنيفة، لن نفيق منها قبل عامين من الآن. والواقع يشير إلى أنَّ ارتفاع الإصابات ناجم بصورة رئيسية من تراخي البعض عن الالتزام والتقيد بالإجراءات الاحترازية، رغم أنها متاحة ولن تحمل الشخص أية متاعب، وعلى رأسها ارتداء الكمامات، وغسل اليدين والتباعد الجسدي مع الآخرين، وهي 3 إجراءات سهلة للغاية، لكن للأسف يتجاهل البعض أهميتها بل لا يُوليها بالاً من الأساس.

المُثير للقلق فيما يتعلق بالموجة الثانية ليس عودة الإغلاقات أو منع الحركة أو غلق المحافظات، لكن المُثير للقلق ما قد تمثله الزيادة الكبيرة من ضغوط كبيرة على الأنظمة الصحية، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية المُحتملة.

ومع توقع الخبراء موجة ثانية من العدوى أشد شراسة من الأولى، فإنَّ عُمان لن تكون في منأى عن ذلك، ولذا يجب توخي أقصى درجات الحيطة والحذر، خاصة مع قرب قدوم الشتاء، وما يستتبع هذه الفترة من كل عام عادة من أمراض تنفسية شائعة، ما قد يفاقم الضغوط على المؤسسات الصحية، ولا يجب أن يصل الأمر إلى مستويات لا تحمد عقباها. ومن هنا لا يجب أن يستهين أي فرد منِّا بهذه التحذيرات، أو يظن البعض أنه لن يتأثر بها، فالأزمة علمتنا دروسا عدة فيما يتعلق بالتعامل مع الجائحة، أولها أن المرض قد يصيب كل إنسان، حتى إن بعض الذين أصيبوا سابقا ربما يكونون عرضة للإصابة مرة أخرى، في ظل خلاف الأطباء والعلماء حول مدى استمرارية المناعة التي يكتسبها المصاب بعد تعافيه، وهل تدوم لنهاية العمر أم أنها مؤقتة؟ وإذا كانت مؤقتة فإلى أي مدى ستدوم شهور أم سنوات؟!

المُؤكد أنَّ أرقام الإصابات عادت للصعود وهو ما يدفعنا للتفكير بجدية أكبر وأعمق خلال المرحلة المقبلة، خاصة وأننا في السلطنة وبسبب قلة الفحوصات التي يتم إجراؤها، مقارنة بدول العالم الأخرى خاصة التي تتشابه ظروفنا معهم، وأستطيع أن أحصي أسراً بأكملها أصيبت دون أن تجري فحوصات، ومن ثمَّ لم يتم إضافتهم لإجمالي الحالات في السلطنة، وهؤلاء لم تظهر عليهم أعراض شديدة. وظني أننا إذا نفذنا مثلاً 10 آلاف فحص يومياً سنجد نسبة كبيرة جدا من المفحوصين مصابين بفيروس كورونا، خاصة مع عودة فتح الأنشطة الاقتصادية؛ وهذا أمر ضروري.

إنَّ الواجب والضمير يفرض علينا أن نكون أكثر حذرا، وأن نبتعد عن الاستهتار، خاصة وأننا إن لم نتأثر من الإصابة فلربما نكون سبباً من أسباب موت عزيز علينا أو تدهور صحته لمستوى مُقلق، وعلينا أن نفكر أننا فعلياً في طور الدخول لمرحلة صعبة وحرجة.

وفي الختام.. على مدى 7 أشهر أو يزيد بذلت اللجنة العُليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، جهوداً جبارة لاحتواء تفشي الفيروس، وقد نجحت إجراءاتها في تفادي السيناريو الأسوأ، لكن مع استهتار البعض بالإجراءات الاحترازية، عادت الإصابات للارتفاع، ومن هنا يحدوني الأمل في أن تعيد اللجنة العُليا النظر في موضوع التعليم وفتح المدارس والجامعات، لاسيما وأنَّ الدول التي فتحت مدارسها أغلقتها بعد أسبوع أو أسبوعين مع بدء ظهور حالات لتفشي الفيروس، ولا يجب أن نعرض فلذات الأكباد لهكذا خطر.