التاريخ.. وفلسفات التاريخ

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"فلسفة التاريخ تعني فقط التأمل العميق فيه".. جورج هيجيل

 

عندما تدرس وتبحث في التاريخ فإنِّك بلا قصد تجد نفسك تنمي الحس الفلسفي ومدارك الشك، وتلازمات التفكير النقدي، لأن التاريخ المحكي أوالشفوي أوالمنقول لابد أن يتم تحت معمل الرصد والتحليل والتنقيب عن المعلومات ذات الاهتمام المقصود، ولابد من تفكيك الحدث وتشريحه إلى عدة شرائح، كل شريحة تخص عنصرا معينا ملتزما بالحدث، ومن خلال هذه العملية الرصدية الدقيقة يتم ترتيب الحدث ومكوناته وظروفه القريبة والبعيدة السابقة وأثنائه واللاحقة، كذلك التدخل في سمات وصفات الشخوص داخل الحدث المتأثرة سلباً أوإيجاباً حتى يتم الحصول على تصور عام أقرب إلى أكثر من 90% من صحة النقل للحدث التاريخي.

يقول الكاتب المصري د. حسن حنفي (1): الفلسفة حركة التاريخ. وفصلهما مثل فصل الروح عن البدن، وإثبات الروح مجردة غير مرئية لا مستقرَّ لها إلاَّ في عالم الغيب.

أي أن التاريخ والفلسفة صنوان لايفترقان، كلاهما يكمل الآخر، سأحيلك إلى حدث في تاريخنا المُعاصر وستجد العجب في تأريخ هذا الحدث من بين عدة مؤرخين، سأعطيك مثالاً بالغزو العراقي للكويت سنة 1990م. هناك من المؤرخين المُعاصرين من يذكره بأنه الاجتياح العراقي، وهناك من يلتزم بذكر: الغزو الصدامي، وهناك من يعتقد جازمًا: دخول القوات العراقية للكويت، هذا الاختلاف بالمفردات مرده إلى الفكر والعقلية الآيديولوجية كذلك لانغفل التأثير السياسي على المؤرخ،  لذلك تأتي أهمية التحليل التاريخي المنصف للحدث وماهيته وكيفيته، حتى تتراءى الحقائق جلية أمام الباحث والمهتم.

كذلك علينا عند قراءة تاريخ حدث مُعين تحديد  اللاعبين والفاعلين لأنَّ لكل حدث فاعل رئيسي وهو اللاعب المحرك للحدث المُؤثر والمتأثر، ومن هذه الشخصية الفاعلة تتبع مراحل الحدث وفتراته الزمنية (قصيرة- متوسطة- طويلة) كذلك حساب عدد اللاعبين الفاعلين، وهنا يظهر لك عنصران: مؤثر + متأثر، وبناء على تتبع الحدث تظهر إرهاصاته ماثلة، ومنها تظهر الحقيقة الأقرب لليقين، على اعتبار منطقية عدم الوصول للحقيقة كاملة، إنما كما أسلفت في سطور سابقة من يصل 90% فقد وصل، وهناك من يعتقد بأنَّ نصف الحقيقة تؤدي لفهم كافٍ للحقيقة، لأن الحدث التاريخي قبل أكثر من قرن من الصعب تحديد حقائقه بيقين متكامل، بل أن التيقن النسبي يوفي بالغرض.

لذا علاقة التاريخ بالفلسفة علاقة جذرية وعميقة الفهم، فكل حدث يرتبط بفهم وشك ونقد وتفكيك مغالطات منطقية، وغير ذلك من عناصر البحث، والآن الإمكانيات متوفرة والكتب المساعدة بضغطة زر في الشبكة العنكبوتية ستجد كثيرا منها بصيغ PDF، ورحم الله المؤرخين القدماء وكيف كانوا يستخرجون المعلومات، ويبحثون ويدونون إلى أن أصبحنا أمام كنوز تاريخية لا تُقدر بثمن.

_______________________

  1. د. حسن حنفي، مفكر وأستاذ جامعي مصري، يقيم في القاهرة.