حيدر بن عبدالرضا اللواتي
طالعتنا إحدى الصحف المحلية الصادرة باللغة الإنجليزية في الثالث من الشهر الحالي بتصريح لمعالي الدكتور أحمد بن مُحمد السعيدي وزير الصحة عضو اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، يقول فيه إنِّه يُمكن للمستأجرين عدم دفع الإيجارات المُستحقة عليهم خلال الشهور الماضية نتيجة لإقفال المؤسسات والمحلات التجارية.
وجاء نص التصريح بعد ترجمته إلى العربية كالآتي: "يحق لأصحاب الأنشطة التجارية والصناعية التي تمَّ إغلاقها في أعقاب انتشار فيروس كورونا عدم دفع الإيجارات خلال فترة الإغلاق". ومن واقع تصريحه للصحيفة فإنِّه يُفهم من ذلك أنَّ لأصحاب الأنشطة التجارية والصناعية الذين طُلب منهم إغلاق محلاتهم بقرار من اللجنة العُليا، كامل الحق في عدم دفع الإيجار أثناء فترة الإغلاق هذه.
الكل يتعاطف مع الذين تضرروا من استمرار هذه الجائحة بمختلف صورها، والكل يتحمل نتائج هذا الابتلاء الإلهي، ومن ضمنهم أصحاب العقارات وغيرهم الذين استجابوا منذ البداية بالتعامل الحسن مع المستأجرين في هذه الأزمة. وهذه من الأمور التي يتميز بها العمانيون في تعاملاتهم مع الكل. فالكثير من القطاعات الاقتصادية تأثرت من هذه الجائحة بما فيهم أصحاب العقارات، كما إنَّ هذه الأمور كانت واضحة للجميع منذ البداية عندما أصدرت غرفة التجارة والصناعة بيانًا تحثُ فيها أصحاب المراكز التجارية وملاك العقارات على مراعاة المستأجرين المتأثرين من الإجراءات الاحترازية لمُكافحة فيروس كورونا المستجد. واقترحت الغرفة طرقاً من بينها الإعفاء أو التخفيض أو تأجيل الإيجارات خلال مرحلة الإقفال الحالية. إذن "الإعفاء" كان ضمن الاقتراحات وليس كما يعتقده البعض وما ورد في تصريح معاليه بأنه يجب الامتناع كلية عن دفع الإيجارات. ففي هذا يعني أن حقوق المؤجر معرضة للضياع بنسبة 100%.
وعلينا ألا ننسى أنَّ هناك فئة من مُلاّك العقار لديهم التزامات مصرفية ومالية كبيرة أمام البنوك والمؤسسات والمقاولين لدفع المستحقات الشهرية عليهم مُقابل القروض والتسهيلات التي حصلوا عليها من تلك المؤسسات. وإذا كان الوزير متعاطفًا بهذه الطريقة مع المستأجرين، فأرى أيضاً أن يقدّم أحد أعضاء اللجنة العليا تصريحاً موجها إلى المؤسسات المصرفية من البنوك والمقاولين بأن تتنازل هي الأخرى عن أقساط الشهور الستة الماضية على أصحاب العقارات (المؤجرين) لإيجاد نوع من التوازن في مثل هذه الأمور التجارية والمالية التي يجب أن تكون الغرفة والجهات المعنية الأخرى من الوزارات والمحاكم هي المسؤولة والمعنية عنها أولاً وأخيراً، مع الأخذ في الاعتبار قرارات اللجنة وفق سعة وأحوال كل فرد.
كما علينا أن نُدرك أن المادة 550 من قانون المعاملات المدنية تتيح للمستأجر فسخ العقد، وبذلك تسقط الأجرة اللاحقة بعد الإخطار، ولا يترتب على ذلك سوى إثبات المستأجر أن نشاطه يقع ضمن الأنشطة المتضررة في مثل هذه الأزمات. والكثير من التجار يرون أن تُترك مسائل دفع الإيجارات ومُعالجتها بين المؤجرين والمستأجرين وحلها ودياً فيما بينهم وبالطرق التي يرونها مناسبة للطرفين. أما أن يكون هناك تدخلٌ لبعض أعضاء اللجنة في قضايا خارجة عن نطاق المسؤوليات الموكولة لهم، فإنَّ ذلك سوف يصّعب الأمور، خاصة وأن الكثير من الدلائل والمشاهدات تؤكد بأنَّ الجائحة تأخذ أدواراً مختلفة، وأن التوقعات المقبلة تقول بأنها سوف تستمر بنفس المنوال لحين اكتشاف اللقاح الناجع وتوقف مفعول هذا الفيروس الذي حيّر العلماء والأطباء ومن يتعاملون في هذا الشأن. وربما هناك حكمة إلهية من هذا الوباء في ظاهره هذه الصعوبات التي نعاني منها وفي باطنه خير للبشرية.
الذين تهمهم هذه القضايا ومن يكتبون عنها في وسائل التواصل الاجتماعي يؤكدون أنّ المؤجر باعتبار أن لديه التزامات ومصاريف أخرى فمن الأفضل للمستأجر أن يترك ذلك العقار لمستأجر آخر إذا كان لا يستطيع سداد الأجرة، أو أن يشغل العين المؤجرة بنشاط استهلاكي آخر، خاصة وأن القانون يتيح للمستأجر فسخ العقد بالطرق القانونية المعروفة ولكنه لا يعفيه من الإيجار. فإغلاق النشاط وإرجاع العقار من قبل المستأجر أحسن له من أن تتراكم عليه الديون سواء كإيجار كامل أو إعفاء 50% من الإيجار أوغيرها من النسب الأخرى، لأن الطرفين لديهما التزامات تجاه الآخرين. وفي هذه الجائحة فإنَّ الكل يريد التوصل إلى نقطة تكون في صالح الجميع وألا يتضرر طرف على حساب طرف آخر.
نحن نعلم بأن قرارات اللجنة يجب احترامها وتقديرها، ولكن يجب على الأعضاء أيضًا المراعاة في حالة الإدلاء بأية تصريحات ربما تُؤدي إلى ضرر فئة من النَّاس الذين لديهم ارتباطات ومسؤوليات والتزامات سواء أكانت مالية أو غيرها. وفي جميع الحالات نُوجه تحية تقدير واحترام لمعالي السيد وزير الداخلية رئيس اللجنة والأعضاء الموقرين على ما يقومون من جهد استثنائي لمُعالجة جميع القضايا التي تهم مختلف فئات الناس في هذه الجائحة.