ملفات دسمة في مجلس الوزراء

 

خلفان الطوقي

 

عام ٢٠٢٠م، ليس كبقية الأعوام على عُمان على وجه الخصوص، ففيه أحداث مُتسارعة ومُتلاحقة، بدءًا بوفاة السلطان قابوس بن سعيد - رحمه الله وطيب ثراه - وانتهاءً بإقرار أعضاء مجلس الوزراء المُوقر بتشكيلته الجديدة، الذي يضم أسماءً جديدة ودماء شابة وخبرات مُتنوعة، مجموعة من الأحداث الكثيرة وقعت في مدة قياسية، يتطلب كل حدثٍ منها الدراسة والتحليل والاستيعاب والتأقلم معه، بسبب أنَّ كل حدث يحمل في طياته الكثير من الأحداث الفرعية فيها العديد من التطلعات والتحديات والتأملات، يبقى من أبرز هذه الأحداث التشكيلة الجديدة لمجلس الوزراء، إذ يعتبر المرسوم السُّلطاني الخاص بهذا الموضوع هو الأبرز والأهم لأنه يمس حياة كل عُماني أو مقيم أو زائر أو مهتم.

تشكيل مجلس وزراء جديد يبعث الأمل للكثيرين، لأنه من المتأمل منه أن به عطاء مُتجدد من خلال دماء شابة تحمل أفكاراً عصرية ومتقدمة ومُواكبة للمُستجدات المتغيرة، وبالرغم من هذا التفاؤل الطموح، لنكن واقعيين وهو أن نُؤمن بأنَّ أي تغيير جذري لن يكون في يوم وليلة، فالمواضيع التي تنتظرهم ليست سهلة بل دسمة ومُتشابكة، وتحتاج إلى جراحين مُتمرسين لفك طلاسم معقدة من عدة جوانب، منها عوامل داخلية يُمكن تتبعها ومعرفة أصلها وما أوصلها إلى هذه الدسامة والتعقيد، ومنها عوامل خارجية لايد لنا فيها بشكل جوهري كتذبذب أسعار برميل النفط وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي والحرب الاقتصادية بين الولايات المُتحدة والصين، هذه العوامل مُجتمعة زادت من دسامة المواضيع التي تنتظر أعضاء مجلس الوزراء.

ملفات كالتوظيف ومُعالجة تشوهات سوق العمل، وترويج الاستثمار المُباشر وغير المُباشر، وتهيئة بيئة الأعمال وتنافسيتها في المجال الصناعي والخدمي والمالي، وزيادة نسبة السياحة وتنويع مصادر الدخل، ومُزاحمة الشركات الحكومية مع القطاع الخاص، وإقرار ضريبة القيمة المضافة وتنمية المحافظات وإعطائها مزيداً من الصلاحيات، والتحول إلى حكومة إلكترونية ذكية بشكل حقيقي ومُواكب، والاستفادة القصوى من موقعنا الجغرافي، وتطوير خدمات التعليم المهني وبقية الخدمات الصحية والسكنية ما هي إلا جزء يسير من ملفات دسمة أخرى، ولا يُمكن أن تعالج بنفس الأدوات والآليات والفكر التقليدي السابق، فلكل مرحلة متغيرات، ولابد أن تكون هناك قيادات تحمل عقولاً تستوعب المتغيرات وتستطيع التعامل معها من خلال رؤية واضحة، وأهداف واقعية، وخُطط تنفيذية، وبرامج إنتاجية، وموارد فنية متقدمة ومتطورة ومالية منضبطة، وكفاءات بشرية مُؤهلة وتملك حس المسؤولية، ومؤشرات أداء، وأدوات قياس وتقييم.

بداية المشوار لأعضاء مجلس الوزراء يكون بالاعتراف الواضح بأنَّ العمل الوطني مسؤولية قبل أن يكون تشريفاً ووجاهة وعمل مُستمر ولا ينتهي، وأن الملفات التي تنتظرهم "ثقيلة"، وأن تطلعات الناس من مُواطنين ومُقيمين وزوار ومراقبين لم تعد كالسابق، ولابد لهم من ضخ علمهم وخبرتهم في هذه الملفات، ليس هذا فقط، بل بالبناء على ما هو موجود وتطويره بطرق علمية وحلحلة المواضيع بشكل مهني ومتسارع يتوافق مع طموحات وتطلعات المُتعاملين معهم، والاستعانة المدروسة بالبطانة المُؤهلة والمُخلصة -بعيدًا عن العاطفة والمُجاملات--، والاستفادة مع كافة الطاقات المُتوفرة وبدون استثناء وكيف لهم خدمة الأهداف الوطنية المُخطط تحقيقها من هذه الوزارة أو تلك، وتنمية الحوار المُجتمعي دون تحفظ أو تخوف، وتكوين شراكات استراتيجية تضمن الانصهار والتكامل والانسجام مع بقية الوحدات الحكومية ومع مُؤسسات القطاع الخاص والمدني لأجل عمان أكثر إشراقاً، ولضمان تخفيف ثقل هذه الملفات وإمكانية نجاحهم في إدارة هذه الملفات الضخمة، لابد لهم من العمل مهنيا ومنهحيا ومؤسسيا على عدة محاور وأكثر من مسار في ذات الوقت، فعُماننا لا تحتمل مزيداً من إضاعة الفرص أو الوقت أو المال.