التناقض الصارخ بين خطابي الترشح لترامب وبايدن يكشف عمق الأزمة الأمريكية

ترجمة - رنا عبدالحكيم

أبرزتْ صحيفة فايننشال تايمز البريطانية ما وصفته بـ"التناقض الصارخ" بين خطابيْ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام المؤتمر العام للحزب الجمهوري، وخطاب منافسه الديمقراطي جو بايدن.

وقالتْ الصحيفة -في افتتاحيتها- إنَّ سطرًا واحدًا في الخطاب الذي ألقاه ترامب يُمكن أن يتَّفق عليه معظم الديمقراطيين والجمهوريين، عندما قال: "هذه أهم انتخابات في تاريخ بلادنا"، فمن كل النواحي الأخرى كان خطابه نقيضًا لخطاب جو بايدن أمام المؤتمر الديمقراطي. ولم يذكر بايدن ولو لمرة واحدة الرئيس الأمريكي بالاسم، وركزت رسالته على أوراق اعتماده من الطبقة الوسطى من أجل "إعادة البناء بشكل أفضل" بعد الوباء، واستعادة مكانة أمريكا في العالم. وفي المقابل، امتلأ خطاب ترامب بهجمات ضد شخصيات وتحذيرات من "الجحيم" الذي ستدخله إدارة بايدن إذا فازت.

وكان جوهر حملة ترامب التحذير من بايدن باعتباره "حصان طروادة" للاشتراكيين الراديكاليين. ولأول مرة في السياسة الأمريكية الحديثة، أعادتْ اللجنة الوطنية الجمهورية ببساطة طباعة برنامجها للعام 2016، مع ملاحظة جديدة من صفحة واحدة. وبالتالي؛ لم يقدم ترامب أي برنامج انتخابي للترشح لولاية ثانية على خلاف الوعد بمواصلة العمل من أجل تحقيق شعار "أمريكا أولاً". ولم يكن لدى ترامب في الانتخابات الماضية ذلك التحفُّظ على خصمه، فقد اتهم ترامب بايدن بأنَّه سيفكك تمويل الشرطة، وسيسمح بالإجهاض المتأخر، وسيفتح حدود أمريكا أمام الهجرة غير الشرعية، وسيخضع لوجهات نظر الغوغاء في المدن الأمريكية، وسيكون اقتصاده "صنع في الصين"، بينما سيكون اقتصاد ترامب "صنع في الولايات المتحدة".

وقالتْ الصحيفة إنه إذا كانت الانتخابات الأمريكية يُمكن حسمها عن طريق التدقيق في الحقائق وما يتفوه به ترامب، فسيخسر ترامب بأغلبية ساحقة؛ فمعظم مزاعمه حول سياسات بايدن خاطئة أو مبالغ فيها بشكل سيئ. ولكنَّ السياسة تقاد بالإدراك، وربما تكون الاضطرابات في بورتلاند وكينوشا وشيكاغو وأماكن أخرى في الأيام القليلة الماضية قد أسهمت في تضييق الفارق المتواضع بين بايدن وترامب في استطلاعات الرأي الأخيرة. فقد ندَّد بايدن مرارا بأعمال النهب والعنف، ويكافح من أجل إيصال هذه الرسالة. لكنَّ ترامب يناهض للغاية حركة "حياة السود مهمة"، ويشير إلى المرشح الديمقراطي باعتباره مجرد "شيفرة" لحركة الاحتجاجات. لكنَّ حقيقة الأمر أن بايدن يحتاج على نحو السرعة إلى الحصول على فرصة للتعبير عن التزامه بالقانون والنظام على الناخبين.

ووفقا لرئيس الولايات المتحدة، فإنَّ الديمقراطيين يرون أمريكا على أنها "أمة شريرة يجب أن تعاقب على خطاياها"، وهذا يعكس وجهة النظر الليبرالية بأن الولايات المتحدة تعاني من "العنصرية البنيوية" وهو مُصطلح يستخدمه الديمُقراطيون البارزون في الوقت الراهن، بمن فيهم كامالا هاريس المرشحة لمنصب نائب الرئيس. غير أنَّ الخطر يكمُن في أن ترامب سيصعِّد انتقاداته العنصرية في الأسابيع العشرة المتبقية. وعلى بايدن أن يكون قادرًا على تهدئة مخاوف ذوي الياقات الزرقاء (فئة العمال) بشأن أمنهم الاقتصادي دون التنازل عن تعهده بالإصلاح الشامل لنظام العدالة الجنائية في أمريكا.

وتؤكِّد الصحيفة -في افتتاحيتها- أنه لا يمكن للديمقراطية الأمريكية أن تنجو من معركة صفرية بين الروايات العرقية المتنافسة، وربما تكون الآمال مبالغًا فيها من أن يتمكن المرشحون من استكشاف الاختلافات المبدئية في المناظرات الرئاسية المقبلة. وفي الوقت نفسه، الشعب الأمريكي بحاجة إلى أن يعرف من كلا المرشحين كيف سيعملان على تسطيح منحنى وباء كورونا، وإعادة تشغيل الاقتصاد الأمريكي وتوجيه نظام عالمي يتصدع بشكل متزايد.

وتختتم الصحيفة افتتاحيتها بالقول: إن الفارق بين "أمريكا أولاً" و"استعادة روح أمريكا" لا يعدو كونه فارقا عميقًا، بل إنه شديد الأهمية، وعلى بايدن أن يخترق ضباب المعلومات المضللة التي تستقطب الناخبين، والتأكد من أن الأمريكيين يرون أهمية الخيار الذي يواجهونه.

تعليق عبر الفيس بوك