المجلس الاقتصادي والاجتماعي.. ضرورة ملحة

 

 

يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

www.omaninvestgateway.com

بعد إعادة هيكلة وترشيق القطاع العام بغرض رفع كفاءته وتحسين إنتاجيته وتطوير بيئة الأعمال وتعزيز منظومة التكامل والتواصل بين مختلف كيانات وأجهزة الحكومة، وحيث يتمحوَر التوجُّه الإستراتيجي لرؤية "عمان 2040" على تحوُّل هيكلي يستند إلى تمكين القطاع الخاص وتفعيل دوره المحوري في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وصولا لقدرته على تسيير دفة الاقتصاد الوطني، وتعزيز مساهمة مؤسسات المجتمع المدني وكافة أفراد المجتمع في تحقيق التنمية المستدامة، ولتحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية، تتجلى ضرورة إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليكون بيتًا من بيوت الخبرة وذراعا استشاريًّا، لا تنفيذيًّا، للحكومة. يمثل مختلف شرائح المجتمع، ويهدف إلى تشجيع الحوار الإيجابي وبناء التوافق حول أهم القضايا والسياسات والقرارات الاقتصادية والاجتماعية، وتقييم أثر سياسات التنمية والسياسات العامة، وتقديم المشورة والمقترحات والبدائل المبنية على البيانات والدراسات لتحقيق التنمية الشاملة وتعزيز المشاركة المجتمعية في صنع القرار، دون مزاحمة للمؤسسات الحكومية، بل تعزيزا لثقافة التكاملية والتعاون بين المؤسسات.

وتُعتبر الغاية الرئيسية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العمل كمؤسسة استشارية للحكومة، تقدم لها خدمات استشارية حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية؛ مثل: قضايا القطاعات الصناعية والتجارية وقطاعات الصحة والتعليم والباحثين عن العمل...وغيرها؛ بحيث تكون التوصيات نتاجا لحوار جامع يمثل الحكومة وممثلي القطاع الخاص في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وأطياف المجتمع العماني؛ بهدف البناء على الخبرات العميقة لمختلف هذه الجهات. ويقوم المجلس بتقديم هذه الخدمات الاستشارية في مختلف القضايا الملحة؛ سواء عند الطلب من الحكومة، أو بمبادرات من المجلس نفسه.

وتُشير الأدلة فيما يزيد على 80 دولة تحتضن هذا النوع من المجالس، إلى أن مشاركة القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني وكافة شرائح المجتمع، قد أسهمت في بناء توافقات وطنية حول الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والإجراءات والوسائل لتحقيقها من خلال الحوار البناء، والتي كان من شأنها زيادة فاعلية السياسات والقرارات واستجابتها بشكل أكبر لاحتياجات المواطنين والقطاعات الاقتصادية المختلفة. كما تعمل مخرجات هذه المجالس على تقديم إضافة نوعية للجهود الوطنية، وتقديم المعونة لصانعي السياسات ومتخذي القرارات على اتخاذ القرارات الناجعة، خاصة في الظروف التي تواجه فيها الدول أزمات اقتصادية مختلفة.

وتُتيح هذه الرؤية المقترحة لعمل المجلس توسيع قاعدة اتخاذ القرار وتفعيل مساهمة القطاع الخاص في صنع السياسات ذات العلاقة؛ بحيث يمثل المجلس جسرا يمرر من خلاله هواجس وتحديات ورؤية القطاع الخاص لدوره المستقبلي ليتمكن القطاع الحكومي من خلال أجهزته التنفيذية معالجتها بعد التوافق عليها. ولا شك أن الـ100 يوم المقبلة من عمر الحكومة الجديدة مفصلية لترتيب العديد من الأوراق والملفات المبعثرة، وما نتمناه أن نبدأ عام 2021 ونحن في أتم استعداد للانطلاق بتنفيذ رؤية عُمان 2040، والتي أفردت مساحة واسعة واهتماما كبيرا للقطاع الخاص، والاستناد إليه كأبرز قاطرات الرؤية لتحقيق اقتصاد حر تنافسي منفتح يسيره القطاع الخاص ومندمج مع الاقتصاد العالمي. ولتمكين القطاع الخاص ليقود قاطرة التشغيل والإنتاج والتصدير في المرحلة المقبلة، فلابد من معالجة العديد من الملفات المهمة التي تمس مختلف مفاصل أنشطته، الأمر الذي يتطلب من جهة مستقلة القيام بدور تفعيل مبادئ الحوار المنتج مع مختلف أصحاب المصلحة في مختلف القضايا الإستراتيجية، وتقديم التوصيات ذات الصلة التي لا تكون ملزمة للحكومة بحسب اختصاصات المجلس كهيئة استشارية لا تنفيذية.

وكما يعلم الجميع، فإنَّ الاهتمام بالقطاع الخاص يستلزم تمكينه ومشاركته في اتخاذ القرار، وإذا كنا نُؤمن بأننا وسط عالم شديد التغيير، وأن هناك ديناميكيات جديدة لها استحقاقاتها، وأنه كما أن الحكومة تواجه تحديات نوعية اقتصادية واجتماعية وجيوسياسية عميقه، فإنَّ القطاع الخاص يواجه تحديات أعمق تستلزم الاستماع إلى هواجسه وتحدياته والتعامل معها. وللمضي قدماً والاستفادة من مكتسبات خمسة عقود وجاهزية كبيرة على مختلف الأصعدة ومكانة مرموقة بين الأمم، لن يحدث بدون إيجاد أرضية قوية للحوار مع القطاع الخاص من خلال مجلس اقتصادي واجتماعي رفيع المستوى. ولا يخفى أن جميع الدول التي حققت نجاحات اعتمدت بشكل كبير على تفعيل أدوار القطاع الخاص وتحفيزه وتنشيطه.

والجميع يتَّفق معي أننا نمتلك كل المقومات والفرص والإمكانيات لوصول عمان إلى مصاف الدول المتقدمة، والأمر مرهون بأدوارنا كأفراد وشركات وحكومة في المرحلة المقبلة. ومن وجهة نظري، هناك حاجة لتعاون الجميع في معالجة التحديات المالية والاقتصادية بأسلوب علمي؛ حيث يراهن الجميع على شغف الفريق الجديد بالإنجاز والانطلاق بعمان نحو آفاق أرحب من التنمية.

ولا يخفَى الدور الإستراتيجي الذي يمكن أن يلعبه المجلس الاقتصادي مع الحكومة في تبني خطاب تنموي جديد يوضح التحديات والحلول والأدوار المطلوبة والسياسات العامة لتغيير بوصلة النموذج التنموي القائم على النفط وهيمنة الحكومة إلى نموذج تتعدد فيها قاطرات النمو، ويلعب فيه الفرد العماني والقطاع الخاص الدور الأبرز، وكذلك تغيير بوصلة تركيز الحكومة والمجتمع من الحلول المالية إلى الحلول الإنتاجية.

ويلعَب المجلسُ المقترح دورًا مهمًّا للتعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية لإعداد العدة وتغيير بعض أنماط الاستهلاك والقناعات حول الأدوار المطلوبة من الجميع في المستقبل (القطاع الخاص والقطاع العام) بما يضمن تحقيق مستقبل أفضل للجميع.

كما يلعَب المجلس الاقتصادي دورًا نحن في أمسِّ الحاجة إليه، والمتمثل في إيجاد المنظومة وبيئة الأعمال (Ecosystem) للقطاعات الإنتاجية والاستثمارية؛ لتسريع وتيرة الإنجاز والتعامل مع تعدد المرجعيات وضعف التنسيق والبيروقراطية ومحدودية الموارد وتقليدية الأداء وتواضع الإنتاجية، ويمكن للمجلس الاقتصادي استنهاض الهمم وترتيب الصفوف والعمل كفريق وفق بيئة أعمال واضحة وديناميكية تسهم في تغيير بوصلة تركيز الحكومة والمجتمع والشركات من الحلول المالية قصيرة الأجل إلى الحلول الاقتصادية الإنتاجية.

كما يُمكن للمجلس أن يقدم التوصيات لتطوير المناخ الاستثماري للسلطنة وتطوير التشريعات الناظمة لبيئة الأعمال والاستثمار، ووضع الخطط لترويج السلطنة لجذب الاستثمارات النوعية والإستراتيجية، خصوصا في القطاعات التصديرية وذات القيمة المضافة العالية وجذب السياحة العالمية، والعمل على خفض تكاليف ممارسة الأعمال وإلغاء الإجراءات البيروقراطية. ولن تستطيع الحكومة بمفردها توفير البرامج التمويلية التي تمكن القطاع الخاص من ممارسة أعماله والتوسع في نشاطاته التجارية، وإعداد البرامج المتعلقة بضمانة وكفالة المشاريع الصغيرة والمتوسطة الريادية، وتوسيع قنوات التسهيلات الائتمانية لها وربطها بقنوات التمويل الدولية الميسرة. ولن تستطيع الحكومة بمفردها وضع إستراتيجية وطنية لتشجيع الأعمال الريادية وتنمية المشاريع الإنتاجية من الناحية التنظيمية والقانونية، ووضع برامج التمويل الميسر وإيجاد رأس المال المغامر لتنميتها، وربطها ضمن سلسة العناقيد الاقتصادية وسياسة التنويع مع المشاريع الإستراتيجية والكبرى. ولن تستطيع الحكومة بمفردها تطوير سياسات الترويج والشراكة التجارية مع دول العالم، ودعم المنتج المحلي وإقامة المعارض الدولية على أرض السلطنة؛ مما يعزز من عمليات الشراكة والتبادل التجاري مع دول العالم.

وختاماً.. تنادي رؤية "عمان 2040" بالشراكة كعنوان لها، والوصول إلى الشراكة بين القطاع الخاص والعام يحتاج تأطيرًا ومنهجية عمل واضحة. وتشير التجارب الدولية وأفضل الممارسات إلى أنَّ المجلس الاقتصادي والاجتماعي يلعب دورا محوريًّا كمخزن للأفكار الإستراتيجية الشاملة، وموجها مباشرا ومؤثرا في صياغة السياسات العامة؛ بحيث يشعر الجميع بمسؤوليته عنها، ولضمان سعي الجميع لتحقيقها.