"نظرية الرجل المجنون".. عندما ينشر ترامب الفوضى في كل أنحاء العالم

 

ترجمة - رنا عبدالحكيم

في كتابه الفريد من نوعه "نظرية الرجل المجنون"، ينجح جيم سكيوتو كبير مراسلي شبكة سي.إن.إن الأمريكية في شؤون الأمن القومي، في الحصول على شهادات موثقة من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية سواء السابقين أو الحاليين، عن طريقة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأمور، وكيف أن الرئيس بهذه الطريقة تسبب في نشر الفوضى والفقر وعدم الاستقرار في كل أنحاء العالم، وليس فقط داخل الولايات المتحدة.

وبحسب استعراض للكتاب، نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، ففي هذا الكتاب، يوضح المؤلف كيف يفترض أنصار ترامب أنه يملك إستراتيجية للنجاح على المدى الطويل، كمن يلعب الشطرنج ثلاثي الأبعاد. لكنَّ الآن وبعد مرور أربع سنوات على رئاسته، قوَّضت سياسة ترامب الخارجية القيم الأمريكية ومصالح الأمن القومي الأمريكي، وأضرَّت أيضا بالحلفاء الذين ساندوا الولايات المتحدة لعقود، بينما تخلت عن واشنطن خلال حكم ترامب. لكنه في المقابل وفر سبل الراحة لأعداء الولايات المتحدة بل وشجعهم. وأدرك موظفون في البيت الأبيض أن ترامب لا يملك خطة حقيقية؛ وتعمَّد ترامب إقصاء أو عزل جميع صانعي السياسة الجادين، أو أولئك الذين رأي فيهم أنهم سيقيدون دوافعه الأكثر تدميراً.

وأجرى المؤلف -خلال الكتاب- مقابلات مع شريحة واسعة من مسؤولي الإدارة الحاليين والسابقين لتجميع أول صورة شاملة لتأثير السياسة الخارجية غير المنتظمة لترامب على الولايات المتحدة. وبطريقة ذكية وموثوقة وجذابة، يمكن اعتبار الكتاب النسخة النهائية لإرث ترامب المأساوي حول العالم؛ حيث يُظهر كيف أن ميله إلى الفوضى يخلق عالمًا يعج بعدم الاستقرار والعنف والفقر، على نحو أسوأ مما كان عليه سابقًا.

واشتهر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بـ"نظرية الرجل المجنون" عندما سعى لإخبار فيتنام الشمالية -عبر مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر وقتذاك- باستعداده المفترض لاستخدام أي وسيلة ممكنة ضدهم في إشارة إلى إمكانية ضربهم بالقنبلة النووية. واستنادا إلى المقولة الشهير لنيكولا ميكيافيلي "من الحكمة للغاية محاكاة الجنون"، ومهما كانت عيوب شخصية نيكسون، فإن تهديده النووي كان مجرد حيلة، وليس قرارًا حقيقيًّا، حتى على الرغم من أنه سجل فشلًا كبيرا، كحال إستراتيجية أمريكا في فيتنام في تلك الفترة.

وفي المقابل، يبدو دور ترامب "المجنون" أقل محاكاة وأكثر عمقا من نيكسون. ففي أحدث ضربة له استهدف ألمانيا، وأعلن سحب الآلاف من القوات الأمريكية المتمركزة هناك. بينما سعى المسؤولون للتحذير من أن العملية قد تستغرق شهورًا، فيما بدا أنها خطوة لكسب الوقت وتخفيف صورة "القائد العام السيئ".

ويصف المؤلف أسلوب ترامب في الدبلوماسية بأنه تكتيك "يكون أحيانًا عن طريق الصدفة وفي بعض الأحيان متعمدًا"، وهو نوع من سياسة "حافة الهاوية"؛ حيث يؤدي عدم القدرة على التنبؤ بأي قرار يتخذه إلى دفع الخصوم إلى تقديم تنازلات.

لكن.. هل "نظرية الرجل المجنون" حقيقية إذا لم تكن مقصودة دائمًا؟

يعتقد ذلك بيتر نافارو المستشار التجاري للرئيس وهو من أكثر المتملقين له، حيث يقول في أحد اللقاءات بالكتاب: "إنه (ترامب) لاعب شطرنج إستراتيجي، يرى كل الزوايا والحركات"، وهنا يمكن معرفة أن كل مسؤول تقريبًا لديه تعليق غير جيد عن الرئيس، باستثناء نافارو، ومن المصادفة أنه الشخص الوحيد الذي يتحدث بصفته واسمه -جون إخفاء هويته- فهو لا يزال في منصبه.

وفي الكتاب، يزعُم مسؤول سابق أن ترامب وزعيم كوريا الشمالية "كانا متواطئيْن". ويشير المؤلف إلى أن ترامب ربما كان "يستغل من كلا الطرفين الحليف والخصم"، في إشارة إلى كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية. ويتضمَّن الكتاب فصليْن طويلين مليئين بالتوتر حول الكوريتين. ويرى المؤلف أنه بعد ثلاث اجتماعات وجهًا لوجه، ليس لدى ترامب الكثير لإظهاره بخلاف الأبهة، بينما استغلت كوريا الشمالية هذه السنوات لتوسيع برنامجها النووي.

وإذا كانت الدبلوماسية المجنونة هي نهج ترامب، فمن غير الواضح ما هي الأهداف التي يرمي لها، إن وجدت، عندما يتعلق الأمر بالصين؟! ويبدو أن هوسه الرئيسي هو نفسه الذي يركز عليه مع جميع القوى الأجنبية تقريبًا، وهي فكرة أن الولايات المتحدة تتعرض للخداع.

وتخلى ترامب حتى عن سياسته التجارية المعروفة تجاه الصين، ومن المحتمل ألا تتم "المرحلة الثانية" من الصفقة التجارية بين الولايات المتحدة والصين. ويفترض معظم المراقبين أن سياسة ترامب تجاه الصين أصبحت حيلة انتخابية، وهي قضية خطيرة بالنظر إلى مدى سوء كره ترامب للخسارة. ومع مرور البحرية الأمريكية عبر مضيق تايوان ودخول الطائرات المقاتلة الصينية منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية في الأسابيع القليلة الماضية، فإن دقائق قليلة قد تغيِّر مجرى التاريخ، إذا ارتكب أي طرف تصرفا غير مسؤول.

وإذا كانت النقطة الإيجابية نسبيا في تقدير المؤلف هي الصين، فإن الحضيض يتمثل في سوريا بعدما تخلت الولايات المتحدة عن المقاتلين الأكراد هناك. وينقل الكتاب عن المسؤولين المحيطين بترامب أنهم كانوا يبحثون دائما عن طرق إبداعية للتحايل على أوامر الانسحاب، وهذا دليل على ما كان يعانيه المسؤولون من أجل إدارة أسوأ قراراته. ويرى البعض أن التخلي عن الأكراد مثل لحظة مؤلمة، خاصة عندما يرسل قائد القوات العسكرية الكردية السورية رسالة إلى أصدقائه في الجيش الأمريكي يعفيهم من اللوم. ومثل هذه الرسالة تعكس مدى إفلاس ترامب أخلاقياً عندما اتخذ هذا القرار. ويرى المؤلف أن ترامب حقق انتصارًا في السياسة الخارجية، لكنه أهدره بيديه بعد ذلك عندما اتخذ قرار التخلي عن الأكراد.

ويختتم تقرير مجلة "فورين بوليسي" بالقول إن الكتاب محاولة متقدمة لرسم خريطة تجسد 4 سنوات من الفوضى في السياسة الخارجية، وحتى أثناء تناوله للماضي، من الصعب التخلص من الشعور الذي يفكر فيه القارئ باستمرار ويقلقه بشأن المستقبل. وبغضِّ النظر عن نتيجة الانتخابات، فإن أمريكا تواجه سنوات صعبة قادمة، معظمها بسبب اندفاع رجل مجنون.

تعليق عبر الفيس بوك