يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"العيب في دراسة التاريخ أننا أحياناً نطالع صفحاته لنقرأ أنباء الانتصارات والهزائم، وأخبار المواليد والوفيات، ولكن التاريخ شيء آخر وراء هذا الظاهر، وهو أنَّ تعرف ما المُقدمات التي انتظمت حتى انتهت بالنصر أو الهزيمة".. محمد الغزالي.
علم التاريخ كعلم مرتبط علمياً وظرفياً بعدة علوم مُختلفة، منها العلوم المرتبطة ارتباطا واضحاً وهناك علوم ترتبط كتحليل وتفسير لمداخل ومخارج هذا العلم الإنساني الهام. ومن العلوم المُرتبطة بوضوح علم المخطوطات وعلم الآثار وعلم الأنثروبولوجيا، ومن العلوم المرتبطة تحليلياً العلوم السياسية، وعلم الاجتماع، وعلم الاقتصاد، وعلم النفس وغيرها، عند البحث تكاد تعتبر كل العلوم التجريبية والنظرية مساندة لعلم التاريخ، لأنه ربما يكون الحدث ذو الصلة مرتبطاً بعلم الأرض الجيولوجيا أوحتى الكيمياء، لذا يستحسن بالباحث التاريخي الذكي أن تكون لديه فكرة مناسبة عن عدة علوم حتى تساعده في البحث والفهم والتحليل وتفسير الظواهر.
لو تحدثت على سبيل المثال لا الحصر عن بعض العلوم المُساندة، سأتحدث عن علاقة علم النفس مع التاريخ وبأنها علاقة محكمة متكاملة لا يُمكن لأي مؤرخ عندما يكتب التاريخ ألا يربط ويرتبط مع علم النفس، في بعض الأبحاث والدراسات هناك تفصيل وسبر للسيرة الخاصة لشخصيات تاريخية معينة.
فمثلاً عندما نتحدث عن شخصية تاريخية معينة قد تدرس دور هذه الشخصية وفلسفتها في الحياة؛ وتاريخ الأحداث التي واكبتها وواجهتها، أيضاً من المُهم جدًا أن نضع في الاعتبار هذه الشخصية ومآلاتها وما لها وما عليها، حتى داخل الأسرة الصغيرة، مثلاً ما علاقة هذه الشخصية التاريخية مع الوالدين، ووضع الوالدين وهل كانوا حكامًا، أم لا؟
مع الإخوة والأخوات، مع الزوجة والأبناء، مع الدائرة المقربة الضيقة، ثم مع القياديين التابعين والإدارات التابعة، وفلسفة هذه الشخصية في إصدار القرارات المصيرية والمنهج الذي تتبعه، هل هو أشبه بالدفاعي أي ردة فعل، أم المنهج الإداري الهجومي الذي هو المبادرة والقيام بدور اللاعب والفاعل، كذلك مهم متابعة العلاقة مع الشعب، وتأثير ذلك على المكانة بين مواطنيه وكذلك تعامله مع المخالفين والمعارضين.
هناك تساؤلات تبرز عند أي باحث في التاريخ، منها: ما هو تأثير علم النفس على البحث والتحليل في علم التاريخ؟ هل هناك أهمية لتناول الحالة النفسية للاعب الرئيسي الفاعل في الحدث التاريخي؟
يقول مُؤسس علم التاريخ (1) اليوناني هيردوت: فُرض عليَّ أن أقول ما قيل لي، لا أن أصدقه!
هنا وكأنَّ الأغريقي القديم يُؤكد بشكل غير مُباشر على خطورة علم التاريخ في حال نقله بأمانة، وهذا يقودنا لاستخدام فرضية الشك في كثير من تأريخ الأحداث التاريخية خاصة المثيرة للجدل، حتى الأحداث مثيرة الجدل تاريخياً بالإمكان الحصول على تصور أفضل لها خاصة بالاستعانة بعلم الرجال والجرح والتعديل، حتى أني أحياناً أفكر ببعض أحداث التاريخ المُعاصر، وأحداث عايشناها بحذافيرها وتفاصيلها ثم أتساءل ماذا لوكتبت عنها، هل سأكتب بحيادية وأمانة؟ هل أكتب بمصداقية صرفة أم سأتوارى وراء الترميز؟
يأخذني الظرف الفكري لأتفكر بالمؤرخين الأوائل: هل واجهوا ظروفاً منعتهم من كتابة التاريخ بأمانة منزهة؟
أمام هذا لك أن تتفكر ملياً في التاريخ!
لذلك المفكر التاريخي عليه أن يهتم بالتحليل والاستعانة بالعلوم المساندة لعلم التاريخ لتحريك جذوة العصف الذهني وتعدد الآراء وفرزها بعد ذلك، لتفنيد الحقائق، وتثبيت الرؤى، واستخراج أنسب الاستنتاجات والاحتمالات.
ومن أهم العلوم المُساندة في العلوم الإنسانية علم النفس، وهو كما أرى واعتقد مرتبط ارتباطاً حيوياً في كثير من العلوم قد لا أكون مبالغا حينما أربط علم النفس حتى بالعلوم التجريبية وليس العلوم الإنسانية والنظرية فحسب لذلك فهم الشخصية وتحليلها من أهم ما يقوم به المؤرخ للتأكد من تاريخه الذي سيُؤثر ويكتب عنه، في هذا الأمر كل علم أسرار تكوينات مداخله ومخارجه كذلك علم النفس يدخل في كل شيء وكما أسلفت فإنَّ علم النفس يدخل حتى في الظواهر الشخصية ومداخلها وخلفياتها وآيديولوجيتها وعلى أدق تفاصيل الشخصية، مما يفتح آفاقاً أمام الفهم الكامل.
هناك من يقرأ النص التاريخي ويسبغه على حقيقة فهم فكر وتفكير ومنهج هذه الشخصية من خلال ذلك قد نفهم تصرفات هذه الشخصية في ما تواجه أوما واجهته من أحداث تاريخية أي ما الذي واجهته من الأحداث من تقلبات وتغيير.
في أحد الحوارات مع أحد أستاذتي بالجامعة أتذكر قوله الذي لم أنساه إذ قال: لا شخصية دون هوية ولا هوية دون انتماء ولا انتماء دون أصالة ولا أصالة دون تاريخ ولا تاريخ دون رجال ولا رجال دون عزيمة.