مدرين المكتومية
المراسيم السلطانية الأخيرة التي غيَّرت ملامح مُؤسَّساتنا عَكَستْ بكل ما تعنيه الكلمة الحكمة والرؤية السامية الثاقبة؛ إذ أسهمتْ رؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أيَّده الله- في إعادة ضخ الدماء في أركان الدولة العمانية من خلال الهيكلة الجديدة للوزارات والمؤسسات، وأود في هذا السياق أن أشير إلى جانب على قدر كبير من الأهمية، ألا وهو دمج قطاعيْ التراث والسياحة في وزارة واحدة.
فالسَّائح إلى أي دولة حول العالم، يجد أنَّ الوجهات السياحية باتت متشابهة، من حيث فنادق الخمسة نجوم والغرف المطلة على البحر، حتى إنك لا ترى فارقا بين دبي وماليزيا أو اليونان!! لكننا في عُمان أرض الخير والجمال، يُمكن أن نقدم للسائح تجربة حضارية وسياحية لا تنسى، ولا تشبه أي مكان في العالم، فما تزخر به بلادنا من قلاع وأفلاج ومواقع أثرية مثل سلوت، ونزل تراثية... وغيرها الكثير، كل ذلك يمنح السائح والزائر تجربة ثرية لا مثيل لها.
وبالعودة للوراء قليلا، يُمكننا أن نستذكر معا فعاليات حصن الفليج، الذي كان زاخرا بالفنون الشعبية والرقصات المختلفة واللوحات المميزة، إضافة للحفلات الغنائية. ويمكن العمل على إعادة إحياء هذه الفعاليات المتنوعة في الأماكن الأثرية؛ حيث يُمكن عمل عروض متنوعة كالعرض المرئي الذي قُدِّم بمتنزه سمهرم الأثري (تاريخ عمان عبر الزمان).
فما يُميِّز عُمان عن غيرها من الدول العربية ودول المنطقة هو الثراء الحضاري والتراثي، وما تزخر به من تاريخ موغل في القدم؛ الأمر الذي يجعلها إحدى الدول الرائدة في مجال السياحة الثقافية. ومن هنا، جاءت الحكمة السامية لجلالة السلطان في رؤيته في الدمج ما بين وزارتيْ التراث والسياحة؛ فالسياحة الثقافية الآن أحد أهم مصادر توجُّهات السياحة في العالم؛ فالسواح الذين يُمكن أن يأتوا لعُمان، يمكنهم إذا ما تمَّ تطوير العديد من المواقع السياحية الأثرية مثل "مستوطنة سلوت" التي تعود للعصر الحديدي، وغيره من المواقع في بلادنا الحبيبة التي تعود لآلاف السنين: رأس الحد، ورأس الجينز، والقلاع التي تتجاوز الـ500 قلعة وحصن وبرج، والأفلاج، وكل هذا يندرج تحت التراث الحضاري الثقافي العماني الذي يُمكن أن يكون أحد عناصر الجذب الأساسية في تطوير السياحة في عُمان.
من هنا كانت الفكرة، وهي أننا إذا استطعنا أن نفعِّل التراث وهذه البيوت القديمة والقلاع عِوضًا عن أن تكون عبئًا على ميزانية الدولة، فيُمكن أن تكون أحد مصادر الدخل؛ وبذلك نستطيع أن نعتني بهذا التراث، وأن نطوره سواء كانت قلاعا، أو بيوتا، أو أفلاجا، أو مناطق جيولوجية.. السيَّاح يبحثون عنها، لأنه من الضروري أن نقول إنَّ السائح ليس دائما يبحث عن فنادق، وإلا فالعالم مليء بالفنادق، هو لم يأتِ للإقامة في الفندق؛ وبالتالي علينا أن ننظر لما يميزنا، وما نمتلكه من مكونات يمكن تفعيلها بشكل أفضل. والتراث العماني ودمجه بالسياحة قادر على أن يكون منافسا وأن يكون عنصرا فاعلا ومليئا بالحيوية والحياة، وعنصرا من عناصر الجذب في السياحة الثقافية. وأيضا يمكن أن يُسهم في ذلك القطاع الخاص؛ بحيث يوجه جزءًا من استثماراته في الفنادق لعمل مواقع تتناسب مع المواقع الأثرية بالسلطنة.
إنني على يقين بأنَّ معالي سالم بن محمد المحروقي وزير التراث والسياحة، سيعكُف على الانتقال بقطاعي السياحة والتراث نحو آفاق أرحب، وسنشهد بإذن الله تعالى نقلة نوعية من حيث عدد السيَّاح والمشاريع السياحية المرتبطة بتراثنا الخالد، وما علينا سوى أن ندعم هذه الجهود، عبر الترويج المُتقن للجواهر العمانية في كل مكان.