قال وفعل

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

شاءتْ الأقدار أن يتولى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الحكم في ظروف صعبة، ويَرِث تركة عظيمة لرجل قلَّ مثيله، مع ما يكابده من حُزن وأسى لفقيد غالٍ، تبع ذلك أزمة عالمية أفلست دولًا وشركات عالمية وأغلقت العالم كله، وعاشت معها الدول في عزلة فلا طيران ولا نشاط اقتصادي مُتوازنا؛ فقد دمر فيروس كورونا (كوفيد 19) كل شيء حتى العلاقات الاجتماعية، ثم تبع ذلك تهاوي أسعار النفط إلى الحضيض. ومع هذا وذاك، يظل يعمل بصمت، وظل المواطن العماني هو الهم الأكبر، وقد قال منذ خطابه الأول إنه سيمضي في مراحل التطوير والتنظيم الإداري وتعزيز رؤية عمان 2040، وقد فعل.

لم تَمْضِ إلا ثمانية أشهر أو أقل على توليه مقاليد الحكم في البلاد، وشخصيا كنت أعتقد أن جلالة السلطان هيثم خلال هذه المدة القصيرة سوف يهتم بمعالجة قضايا كورونا وانخفاض أسعار النفط، لكنه -حفظه الله- كان يعمل بصمت وبوتيرة متسارعة لتحقيق رؤيته وتطلعاته. وخلال هذه المدة القصيرة، نرى -وبشكل مستمر- تطورات ونظرة ثاقبة نحو عمان 2040؛ فجزاه الله عنا خير الجزاء.

إنَّه بدأ بترجمة خطابه السامي الأول في شهر فبراير، وعمل على معالجة وضع الشركات الحكومية التي كانت تُرهق الميزانية العامة للدولة أكثر مِمَّا تدر على البلاد من فوائد مالية، وقلص الرؤساء التنفيذيين الذين كانوا يتسلمون رواتب خيالية وكأنهم خبراء طاقة ذرية، ودمج أغلب الشركات الحكومية في جهاز واحد لسهولة المتابعة والتقييم (جهاز الاستثمار العُماني)، وهي خطوة متميزة وموفَّقة، وفي الوقت الذي كنا نظن أن إعادة الهيكلة الإدارية للدولة تحتاج وقتا طويلا إذا بالمراسيم السلطانية الـ28 تنهال علينا بين مصدق ومتوهم.

وأنَّ التعديل في الجهاز الإداري للدولة سوف يُسهم في نقلة نوعية للسلطنة بكل المقاييس، ومن خلال هذه النظرة المستقبلية سيتحقَّق -بإذن الله- للسلطنة نهضة واعدة برؤية جلالته وبهمة الشباب العماني الواعد الذي استقبل هذه التعديلات بفرحة عارمة وسعادة تتسم بالثقة.

وما تتطلَّبه المرحلة المقبلة: تشديد الرقابة والمحاسبة، وعدم التساهل أو غض الطرف، حتى لا نفقد ما تمَّ اكتسابه من قفزات على مستوى التنظيم الإداري، كما أنَّ تسهيل الإجراءات وتبسيطها في المؤسسات الحكومية والشركات التابعة لها مطلب ضروري وملح، وهو ما سيعمل جلالته على تفعيله وتطبيقه خلال المرحلة المقبلة من أجل تحقيق رؤية عُمان 2040، والتي أسس قواعدها جلالته بنفسه، ورسم ملامحها بفكره المستنير، كما أنَّ المرحلة المقبلة تتطلب الاهتمام بالوضع الاقتصادي والتجاري، واستغلال المقومات الطبيعية التي تتمتَّع بها السلطنة من تعدين ونفط وغاز وموقع إستراتيجي، وتفعيل موانئ السلطنة التفعيل الصحيح؛ فموقعها ينافس كل موانئ العالم، والتركيز على تنمية الموارد البشرية العمانية التي ستتفجر طاقاتها متى ما مُنحت الثقة؛ فالشباب العماني ذو هِمَّة وعطاء وفكر متقد وبنَّاء، وسيثبت أنه هو الرهان الذي سيقود البلاد إلى العُلا، وسيكمل الدور المرسوم الذي بدأت ملامحه في الظهور بقيادة مُلهِمة ورؤية ثاقبة نحو المستقبل.

إنَّنا على ثقة بأنَّ مولانا السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- يمضي بعُمان بخطى ثابتة وراسخة ورصينة، مُستلهما من المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- بُعد النظر والحكمة والهدوء والعمل بصمت، وخلال الفترة القصيرة الماضية نقول والنعم؛ فقد "قال وفعل"، وخلال الفترة المقبلة نتأمَّل المزيد والمزيد من مراحل التطوير والتجديد والازدهار لعُمان وشعبها الكرام، ودمتم ودامت عُمان بخير.