استعراض لكتاب "النمو الكامل.. لماذا يعد التباطؤ الاقتصادي علامة على النجاح"

رأس المال البشري المحرك الرئيسي للنمو.. وشيخوخة السكان أكبر خطر يهدد الاقتصادات

ترجمة- رنا عبدالحكيم

يُجمع مُعظم الاقتصاديين على أنَّ الازدهار الاقتصادي مُرادف لنمو الناتج المحلي لأيِّ دولة، فكلما زاد الإنتاج والاستهلاك، ارتفع مستوى المعيشة وزادت الموارد المُتاحة للجمهور، وهذا يعني أننا في الوقت الراهن، حيث تباطأ النمو نزولا من أعلى مستوياته بعد الحرب العالمية الثانية، نواجه خطراً محدقاً، لكن هل يجب أن ننتبه فعلا لذلك؟ وهل النمو أفضل طريقة لقياس النجاح الاقتصادي؟ وهل التباطؤ الاقتصادي يشير إلى مشاكل اقتصادية؟

المؤلف.jpg
 

دايتريتش فولراث الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد بجامعة هيوستون الأمريكية يقدم أجوبة غير منطقية البتة، من خلال كتابه المُثير للجدل من عنوانه "النمو الكامل.. لماذا يعد التباطؤ الاقتصادي علامة على النجاح؟". إذ يجيب بالنفي، وبالنظر إلى نفس الحقائق مثل الاقتصاديين الآخرين، فإنه يقدم تفسيرًا مختلفًا تمامًا. ويجادل فولراث بأنه بدلاً من أن يكون التباطؤ الاقتصادي علامة على فشل اقتصادي، فإنَّ تباطؤنا الحالي هو في الواقع علامة على نجاحنا الاقتصادي الواسع، وهذا رد مُفاجئ للغاية. ويرى فولراث أن الاقتصاد الأمريكي القوي قدَّم بالفعل الكثير من الضروريات للحياة المعاصرة، وحقق الكثير من الراحة والأمان والرفاهية، حتى تحولت الحياة إلى أنماط جديدة من الإنتاج والاستهلاك التي تزيد من رفاهية الإنسان، لكنها لا تساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي.

في هذا الكتاب، يقدم المؤلف حجة قوية لدعم هذه الافتراض، ويستكشف عددًا من الاتجاهات المهمة في الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك انخفاض إجمالي القوى العاملة بالنسبة إلى السكان، والتحول من الاقتصاد المدفوع بالسلع إلى الاقتصاد القائم على الخدمات، وتراجع التنقل الجغرافي. وفي كل حالة، يوضح الكاتب كيف يمكن قراءة آثارها الاقتصادية كدليل على النجاح، على الرغم من أنَّ كلا منها يعمل كعامل كبح لنمو الناتج المحلي الإجمالي. ويكشف فولراث أيضًا عما يمكن أن يخبرنا به قياس النمو وما لا يُمكن أن يخبرنا به، وكذلك العوامل التي ترتبط ارتباطًا صحيحًا بالنجاح الاقتصادي، والتي لا تخبرنا شيئًا عن التغييرات المهمة في الاقتصاد، والتي تقع في منطقة رمادية واضحة.

ويجادل المؤلف في هذا الكتاب بأنَّ النمو في أمريكا تباطأ لأن الكثير من قطاعات الاقتصاد حققت أداءً جيدا، وكان جزء كبير من التقدم الاقتصادي الأمريكي في القرن العشرين مدفوعًا بالتحسينات في "رأس المال البشري"، وحجم ومهارات القوى العاملة. ففي عام 1910، لم يكمل سوى عُشر الأمريكيين تعليمهم الثانوي، لكن بحلول السبعينيات، كان أربعة أخماس الأمريكيين خريجي جامعات. ويذهب الكثير الآن من الطلاب إلى الجامعات، وأدت طفرة المواليد بعد عام 1945 إلى زيادة القوى العاملة؛ وتكدست النساء في العمل بأجر خلال فترة السبعينيات والثمانينيات. وكل هذا أضاف نقطة مئوية تقريبًا إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد بين عامي 1950 و2000. لكن منذ ذلك الحين، تقلص رأس المال البشري، مما أدى إلى انخفاض النمو بمقدار 0.2 نقطة مئوية في السنة. وهنا يقول فولراث إن رأس المال البشري هو المتهم الرئيسي في تباطؤ النمو.

ويوضح فولراث أن رأس المال البشري بدأ في التقلص لسببين رئيسيين؛ أولاً: تقاعد المزيد من الناس مع تقدم العمر، وثانيًا: توقف متوسط ​​مستوى التعليم عن الارتفاع بسرعة. فالأمريكيون الأصغر سنًا الذين يدخلون سوق العمل ما يزالون أكثر تعليماً في المتوسط، لكن شيخوخة السكان تعني وجود عدد أقل منهم ليحلوا محل العمال الأكبر سناً الأقل تعليمًا.

ويجادل فولراث بأن هذين الاتجاهين مرتبطان بشيء جيد؛ وهو اختيار النساء إنجاب عدد أقل من الأطفال. وهذا بدوره يعكس حقيقة أنهم أكثر ثراءً ولديهم سيطرة أكبر على خصوبتهم. صحيح أنَّ المزيد من الأطفال سيعني المزيد من العمال المتعلمين جيدًا، لكن التغير الديموغرافي يعني الاهتمام بالناتج المحلي الإجمالي أكثر من الاهتمام برعاية المرأة.

ومن وجهة نظر فولراث، لا يفسر رأس المال المادي ولا البشري بقية أسباب تباطؤ النمو، لكنه يأتي مما يسميه الاقتصاديون "إنتاجية العامل الكلي" (TFP). وغالبًا ما يُنظر إلى تباطؤ نمو إنتاجية العامل الكلي على أنه علامة على جفاف التقدم التكنولوجي. ويقترح فولراث هنا سببًا آخر وهو تحول النشاط الاقتصادي نحو الصناعات الخدمية؛ حيث يصعب تحقيق نفس مكاسب الصناعات الإنتاجية. وعلى الرغم من تثبيط النمو، إلا أنَّ هذا أمر جيد، فالأشخاص يشترون المزيد من الخدمات عندما يصبحون أكثر ثراءً.

لكن ماذا عن القوى الأخرى غير المُرحب بها، والتي يُعتقد غالبًا أنها تضغط على الاقتصاد؟ 

فولراث غير مقتنع بهذا الطرح، إذ قد تكون القوة السوقية المتصاعدة لبعض الشركات أدت إلى انخفاض الاستثمارات، لكن تراجع الاستثمارات لا يفسر كثيراً أسباب تباطؤ النمو، وربما أدى تركيز الشركات إلى زيادة الإنتاجية. ويرى المؤلف أنَّ قواعد التخطيط المقيدة للحركة تمنع الناس من الانتقال من مواطنهم إلى مواطن أخرى، وبالتالي تمنعهم من تولي وظائف أكثر إنتاجية، على الرغم من أنَّ ذلك يثقل كاهل الناتج المحلي الإجمالي، لكنه لا يفسر مثل هذا التباطؤ المطول في النمو. ويرى فولراث أنَّ علم الاقتصاد لا يُعطي "نتائج نهائية" حول تأثير عدم المساواة على النمو، وما إلى ذلك وهلم جرا.

ومن خلال هذا الكتاب، يدعم فولراث قضيته بالكثير من الإشارات إلى الأوراق الاقتصادية المهمة، لكن بصورة مثيرة للإعجاب، يظل هذا الكتاب سهل الفهم والاستيعاب رغم اتفاقك أو اختلافك معه!

تعليق عبر الفيس بوك