◄ بكين تضاعف جهود مُمارسة دبلوماسية "المحارب الذئب" مع دول العالم
◄ واشنطن تُعاني من رئاسة متوترة ورئيس "زئبقي"
ترجمة- رنا عبدالحكيم
يرى الكاتب والمُحلل الصحفي ستيفن إم والت أنّ الصين والولايات المتحدة يتنافسان في سباق من أجل خسارة السلطة، وليس الحفاظ عليها كما يظن البعض، معللاً ذلك بالسياسات المُختلفة التي ينفذها رئيسا البلدين.
وبحسب مقال لوالت نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، يُمكن لكل من بكين وواشنطن أن تتحدث عن بعض النجاحات التي تحققت خلال العام أو العامين الماضيين، لكن في الغالب يبدو أنَّ كليهما يتقن فن امتلاك "هدف خاص"، يرتكز على ضعف أداء قائدي الدولتين.
وبدأ المقال برصد الأوضاع في الولايات المتحدة؛ حيث قال والت إنَّ الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ارتكب الكثير من الأخطاء، لكنه أفلت من مُعظم اللوم، معددًا أخطاءه الفادحة مثل توسيع عضوية حلف شمال الأطلسي، والاحتواء المزدوج للصين وروسيا، وفشل عملية السلام في الشرق الأوسط، والسعي المُفرط نحو العولمة، وهذه الأخطاء لم تؤثر على الولايات المُتحدة إلا بعد تركه لمنصبه. وتعامل الرئيس جورج دبليو بوش مع بعض التداعيات؛ مثل هجمات 11 سبتمبر، وضاعف الخطأ بإطلاق حملات عالمية لمُكافحة الإرهاب، ثم غزو العراق، وترك فقاعة مالية خطيرة انفجرت في عام 2008، مع اندلاع الأزمة المالية العالمية. كما فشل الرئيس باراك أوباما في تغيير مسار الانحدار على الرغم من نجاحه في إنقاذ الاقتصاد وشعبيته الشخصية في كثير من أنحاء العالم. لكن عواقب هذه الإخفاقات المُتراكمة ساعدت في فتح الباب أمام حكم الرئيس دونالد ترامب، والذي لم يتوقف عن ارتكاب الأخطاء.
كرئيسٍ، وحسب ما تراه فورين بوليسي، أظهر ترامب كيفية تبديد النوايا الحسنة والاحترام والحصول على القليل أو لا شيء في المُقابل، فقد أهان مرارا وتكرارا ودون مبرر بعض أقرب حلفاء أمريكا، وأشار إلى الدول الفقيرة على أنَّها "بالوعة قاذورات" ووصف جيران الولايات المُتحدة في أمريكا اللاتينية بأنها دول تعج بالمغتصبين والقتلة ومُختلف المجرمين.
وفي عالم أغلبية الأشخاص فيه من غير البيض، فاقم ترامب قضيته مع العنصرية وأسس حملته الانتخابية على إذكاء المشاعر العنصرية، كما إن قراراته بشأن الشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاقية التغير المناخي، والاتفاق النووي الإيراني، وكوريا الشمالية، أثارت انزعاجًا وعزلًا لمجموعة واسعة من الدول، بينما لم تستفد الولايات المتحدة من هذه القرارات. وأدى احتضانه الراسخ لحكام ديكتاتوريين ومستبدين مثل فلاديمير بوتين في روسيا، وشي جين بينغ في الصين، ورودريجو دوتيرتي في الفلبين- على سبيل المثال لا الحصر- إلى تمزيق أيِّ سلطة أخلاقية للولايات المتحدة في العالم.
والأهم من ذلك، أنَّ تعامل ترامب الكارثي مع جائحة فيروس كورونا جعل الولايات المتحدة تبدو غير كفؤة وغير قادرة على الإصلاح، وهو تطور لابد أن يجعل البلدان الأخرى تبحث في أماكن أخرى عن نصائح حول كيفية مُواجهة التحديات.
لكن بدلاً من الاستفادة من عثرات أمريكا الأخيرة والعمل على ترسيخ مكانتها كقوة عظمى أكثر عقلانية ومسؤولية، يبدو أنَّ الصين تستسلم لنسختها الخاصة من سوء التصرف في السياسة الخارجية.
فقد تضررت سمعة الصين لأنَّ جائحة فيروس كورونا انطلقت من هناك، وأخطأ الحزب الشيوعي الصيني في الاستجابة الأولية، ثم حاولت بكين إنكار مسؤوليتها. ورغم تغير أداء الحكومة منذ ذلك الحين، إلا أنَّ الضرر الأوّلي لا يمكن تخفيفه بالكامل. وباستثناءات قليلة (مثل أمريكا اللاتينية)، فإنَّ الجهود الصينية اللاحقة لكسب النفوذ من خلال توفير الكمامات والأدوية وغيرها من أشكال المساعدة للدول الأخرى، أتت بنتائج عكسية في الغالب أو نُظر إليها على أنَّها مناورة ذاتية لتبييض صورة الصين، أكثر من كونها مجهودًا حقيقيًا لمُساعدة الدول الأخرى.
والأسوأ من ذلك، أنَّ بكين ضاعفت من ممارسة دبلوماسية "المحارب الذئب"، وهو نهج حازم على نحو متزايد يعتمد على التخويف وأسلوب مُعين في الاشتباك. وقد تلعب مثل هذه السياسة دورًا جيدًا في الصين ذات النزعة القومية المتزايدة، لكن يبدو أنها تثير استعداء الجميع تقريبًا. فهذه الدبلوماسية تقوم على فكرة غريبة مفادها أنَّ القادة الأجانب سوف يستجيبون بشكل جيد للتوبيخ والتهديد والعقاب. لذا فإنَّ الاقتراح الأسترالي بإجراء تحقيق دولي مستقل في أصول فيروس كورونا لم يدفع إلى الرفض المهذب من بكين (كما كان متوقعًا)، لكن جرى فرض رسوم جمركية قاسية على لحوم الأبقار والشعير الأسترالية مقترنة بتهديدات بفرض عقوبات إضافية إذا لم يتراجع الأستراليون عن مطلبهم. وكانت النتيجة المتوقعة هي إجماع أسترالي مُتزايد على الحاجة إلى مُواجهة الصين بشكل أكثر فعالية.
وفي الآونة الأخيرة، عندما قيل إنَّ السفير الصيني في الصومال ضغط على رئيس الأراضي المتنازع عليها في أرض الصومال موسى بيهي عبدي، لتقليص علاقات حكومته مع تايوان، أنهى بيهي الاجتماع وطلب من وزارة خارجيته توسيع العلاقات مع تايوان أكثر. وبعد أسبوعين، وصل دبلوماسي من أرض الصومال إلى تايوان لفتح مكتب تمثيلي جديد هناك.
وأخيرًا، عززت الاشتباكات الحدودية الصينية الهندية الأخيرة وفرض قانون أمني جديد صارم في هونج كونج المخاوف الآسيوية والغربية بشأن طموحات الصين على المدى الطويل. كما إنَّ الدول التي اتخذت مواقف متناقضة بشأن مُواجهة الصين- بما في ذلك أستراليا والمملكة المتحدة وألمانيا- اقتربت الآن من واشنطن بشأن قضايا مثل تكنولوجيا الجيل الخامس، على الرغم من تحفظاتها الخاصة حول اتجاه السياسة الأمريكية والشخصية الزئبقية لرئيس الولايات المُتحدة دونالد ترامب.
ومع ذلك، فإنَّ الإدارة الأمريكية المُقبلة قد يكون لديها الفرصة لصياغة استراتيجية أكثر ذكاءً وفعالية تجاه الصين، من خلال التركيز جزئيًا على الجغرافيا السياسية البحتة (أي تعزيز التحالفات الأمريكية في آسيا)، لكن سينصب التركيز في الغالب على مُواجهة التحدي التكنولوجي الذي تفرضه الصين في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي. وللقيام بذلك، ستحتاج أمريكا إلى العمل بشكل أكثر فعالية مع حلفائها المتقدمين، وإحياء الجهود لجذب المواهب العلمية والتقنية من الخارج، ووقف إهدار الموارد العامة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية الهامشية (مثل أفغانستان). وستدرك واشنطن أن شن حرب أيديولوجية باردة ضد بكين- كما أشار مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي- لن يقنع الصين بتغيير سياساتها الداخلية، ومن المرجح أن يثير ذلك قلق الحلفاء الذين ستحتاج الولايات المتحدة إلى دعمهم. ومن شأن استراتيجية تنافسية أكثر ذكاءً أن تبقي أيضًا خطوط الاتصال مفتوحة أمام بكين، من أجل التعاون معها بشأن القضايا التي تتداخل فيها مصالح الدول مثل التغير المناخي، والصحة العالمية وغير ذلك.