الشرق الأوسط أو "الشر.. الأوسط" ألف مقال ومقال (8)

 

د. مجدي العفيفي

الذي جذوره في الهواء .. لا ينمو أبدًا

 

(36)

التربُّص الغربي بالشرق الأوسط لا يزال حادا ومسعورا، ويبدو أنه سيظل مستعرا.. شواهد كثيرة وبغيضة نراها بجلاء: في ليبيا وسوريا ولبنان واليمن... وغيرها.

كلما انطفأت نار اشتعل جحيم، كلما هدأت بقعة استعرت أخرى، الأيادي التي كانت خفية من قبل وهي تحرك قطع الشطرنج على مسرح الأحداث أعلنت عن نفسها بلا حياء أو خجل.

المؤرخون الغربيون كتبوا التاريخ بطريقتهم وكذبوا كذبا حتى جعلوا التاريخ أكبر جهاز لتكييف الهوى..  وويل للكاذبين في أطروحاتهم، وويل للمكذبين للحقائق الساطعة والشواهد الماثلة والمشاهد الدالة، لكنهم لا يُبصرون من كثافة الغشاوة، طبقات من فوقها طبقات من الحقد والطمع والسطو والسلب والنهب، إلى آخر كل مفردات هذه العائلة الأوروبية الاحتلالية بكل بغضها ودناءتها.

 

(37)

بأي حق تقول وزيرة الدفاع الإيطالية "الدونا إليزابيتا ترينتا" منذ أيام، بالحرف الواحد، وهي توجه تحذيرا للحكومة الفرنسية فيما يخص تدخلها في الشأن الليبي: "إن إيطاليا هي الدولة القادرة على قيادة الدولة الليبية، مؤكدة أن القيادة بيد "إيطاليا" فيما يتعلق بالحالة الليبية". وطبقا لرؤية بوابة إفريقيا الإخبارية "روما تحن إلى الشاطئ الرابع"، فقد بات واضحا أن روما لا تزال تحنّ إلى "مستعمرتها" القديمة ليبيا (مع التحفظ على كلمة المستعمرة المشتقة من أقبح وأبغض كلمة في التاريخ: الاستعمار)، هذا على الرغم من أن إيطاليا اعتذرت رسميًّا للشعب الليبي عن فترة الاحتلال؛ إذ قدم رئيس وزراء إيطاليا الأسبق سلفيو برلسكوني اعتذار بلاده عن احتلال ليبيا في الفترة من 1911-1943م، معترفاً بالضرر الذي ألحقته تلك الحقبة بهذا البلد، وأضاف أن إيطاليا تعتذر عن القتل والدمار والظلم ضد الليبيين أثناء الاحتلال، وأضاف أثناء لقائه العقيد القذافي في خيمته ببني غازي، أواخر يوليو 2008م، أن هذا الاعتذار ما هو إلا إقرار كامل وأخلاقي بالأضرار التي لحقت بليبيا على يد إيطاليا في عهد الاحتلال.

هكذا يتصارعون في حلبة الصراع الليبي، الذي يبدو الآن شبه هادئ إلا قليلا، مثلما يتصارعون في مسرح الأحداث السوري، وهنا لابد أن نتذكر ونستذكر إذ تُحدثنا ذاكرة التاريخ الحقيقي أن جريمة احتلال  ليبيا -أو طرابلس الغرب كما كانت تعرف يومها- سنة 1911م من قبل الإيطاليين قد دبرها الصهاينة آنذاك، وكان مقصدهم بهذه الفعلة تقويض أركان الخلافة الإسلامية في تركيا، وإضعافها عن طريق سلخ بعض أقطارها عنها. ونظراً لأن طرابلس الغرب كانت تقع في منأى عن عاصمة الخلافة فقد سهل هذا البعد مهمة سلخها من جسد الخلافة الإسلامية.

والذي تولى تنفيذ هذه المؤامرة الخبيثة هو "متر سالم" اليهودي الصهيوني الماسوني الحائز على الدرجة الثالثة والثلاثين في الماسونية. فلقد ذهب هذا الصهيوني "متر سالم" إلى إيطاليا، وقابل رئيس بلدية روما الماسوني اليهودي أيضا والحائز على الدرجة الثالثة والثلاثين في الماسونية، ورسم هذان الماسونيان الخطط اللازمة لتحريض الحكومة الإيطالية على استعمار طرابلس الغرب وافتراسها من جسم الخلافة الإسلامية، وقبيل التنفيذ، وعد اليهود إيطاليا بمساعدتها بكل ما أوتوا من أجل تحقيق هذه المطامع. وكان من ضمن ما قرروا فعله العمل على تحريك وتحريض الأجهزة الماسونية المنبثة داخل أجهزة الدولة العثمانية لتسهيل مهمة احتلال إيطاليا لطرابلس الغرب. وأمام كل هذه الإغراءات اشرأبت مطامع إيطاليا -التي كانت لديها في الأصل ميولاً استعمارية متأججة تجاه طرابلس الغرب- إلى الحد الذي دفعت فيه ايطاليا ملايين الليرات الذهبية من خزينتها إلى هذا اليهودي "متر سالم " لمساعدة إيطاليا في تنفيذ هذه المؤامرة.

ويُخبرنا التاريخ المنظور بأن مهمة هذا اليهودي تلخصت -بمساعدة الطابور الخامس داخل الدولة- في إيهام الدولة العثمانية بضرورة سحب الأسلحة والعتاد من طرابلس الغرب، ونقلها إلى أماكن أخرى لأغراض أخرى، لتسهيل مهمة اجتياح طرابلس الغرب، واقتلاعها من جسد الخلافة الإسلامية، وبالفعل تم له ما أراد، فبمساعدة إخوانه الماسونيين المتغلغلين داخل الدولة نجحت المكيدة، وسحبت الدولة العثمانية أسلحتها وعتادها من ليبيا، ووجهتها إلى إستانبول بحجة التعمير والإصلاح، وإلى اليمن بحجة مقاومة المتمردين هناك، ومن ثم خلا الجو للطامعين، فانقضوا على ليبيا، وأخذوها لقمة سائغة ("صيد الفوائد، اعتذار إيطاليا للجماهيرية الليبية.. مَن أحَق بالاعتذار؟"، طارق حسن السقا، بتصرف يسير).

 

(38)

"إذا وقعت البقرة كثرت سكاكينها".. ما إنْ حدثت تفجيرات بيروت كجريمة وقعت بفعل فاعل مجرم، وقد بدأت المعطيات تقترب من كشفه علانية، حتى سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب ساعات من الانفجار بالذهاب الفوري إلى لبنان وتحدّث هناك مع عمال إنقاذ في الموقع، ثم أكمل جولته في شوارع العاصمة، كأنه رئيس الدولة، فتجمع حوله لبنانيون غاضبون يرددون شعارات غاضبة، وعد هذا الرئيس المتظاهرين بأن باريس ستقترح ميثاقاً جديداً، وأنها ستقدم "صفقة سياسية" للقيادة في لبنان (!!) وتزامناً مع وصوله، غرّد عبر "تويتر" معلناً تأكيده على التضامن الفرنسي مع الجرح اللبناني، وكتب بالعربية: "لبنان ليس وحيداً".

وواصل تصريحاته الاستفزازية بأن بلاده ستقدم مساعدات غير مشروطة للبنانيين، (لماذا.. لا تدري) وأعلن أن فرنسا ستنسق مع الأمم المتحدة كي يستفيد منها كل أبناء لبنان (لماذا فرنسا؟ هي التي تقوم بالتنقيب) يقول: إنها لن تترك بيروت بمفردها، ولا يمكن إجراء إصلاحات في لبنان مع وجود فساد، مؤكداً أنه سيخوض حواراً صريحاً مع المعنيين لتحديد المسؤوليات. (لماذا ومن تكون أنت؟ وأنت أحد أحفاد المحتلين الناهبين لخير هذا البلد).

لقد استنكر لبنانيون وتندَّر مُراقبون بأن ماكرون في شوارع بيروت المدمرة... هل أصبح "الرئيس الرابع" للبنان؟

قبل الزيارة غرَّد ماكرون تضامنا مع لبنان باللغتين الفرنسية والعربية، وأثناء الزيارة غرّد "بحب لبنان" باللهجة اللبنانية.  حتى إنَّ عشرات الآلاف وقعوا خلال ساعات عريضة تدعو لعودة الانتداب الفرنسي إلى لبنان. وتداول البعض صورة "مهيبة" لماكرون مصحوبة بعبارة "تعا وجيب الانتداب معك".. (واحسرتاه على الروح الوطنية والقومية، صدق المثل: القط يحب خناقه).

مشهد يُذكرك بالفرنسي نابليون، الكذاب الأشر، عندما ارتدى عمامة الأزهر وخاطب المصريين بروحانية، لم تنطلِ على المصريين طبعا؛ اذ بعد فشل هذا الاستغلال للدين، فإذا به يدخل الأزهر الشريف ويدكه بخيوله القذرة بمنتهى الوحشية الأوروبية والهمجية الفرنسية.. وكذلك ماكرون المعروف بعدائه للإسلام، خاصة الخمسة ملايين مسلم فرنسي؛ الامر الذي أغرى شريحة من اللبنانيين تُمثل نسبة ضئيلة من عدد سكان لبنان الذي يقدر بنحو سبعة ملايين. بأن يتقدموا بطلب لعودة الانتداب الفرنسي على لبنان (!!) ليس رسميا، لكنه ذو دلالة. وبغضِّ النظر عما إذا كان جديا أو تعبيرا عن الغضب، فهو رسالة واضحة من موقّعيه إلى حاكميهم. ومفاد الرسالة، طبقا لبعض المراقبين اللبنانيين أنهم يعتبرون العيش تحت الاحتلال أهون من معيشتهم في الوضع الراهن في لبنان المستقل.

ولعل ذلك يعني أن نقد الذات مطلوب ومرغوب، لكن جلد الذات ممقوت ومرفوض.. وصدق الشاعر الحكيم الذي قال:

بلادي وإن جارت علىَّ عزيزة

وأهلي وإن ضنوا علىَّ كرام

 

(39)

وقف الأغلب الأعم والأعظم من أبناء لبنان ضد هذا الطلب؛ فهو في منظورهم موضع استنكار واستهجان "ما جرى في بيروت لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل"!!

ولنقرأ هذه الومضة القوية للكاتب اللبناني خالد بركات في أطروحته "اغسلوا أحذيتكم وارحلوا"، بالزميلة (الشرق اللبنانية، 20 أغسطس 2020م): "والله كفى كيدية ومزايدات فالوطن لا يتحمل.. ولا أي دولة تستطيع أن تضع قدمها في لبنان، إلا كضيف، وليس للاستعمار، أو تمد يدها إلا للمساعدة أو للمساهمة في الإعمار ولها الشكر والامتنان والتقدير والدعاء لله لهم ولنا، وليس أن تضع يدها، نعم كفى تبعية، وكفى أن يكون لبنان مسرحاً لتصفية الحسابات، وكفى أن يكون ممرًّا ومَعْبراً ومرفأً للصراعات.. ولنكن بصوت واحد وبكل صراخ وبهدوء وبأي لغة يستوعبون، يستطيع بعض المسؤولين ركوب القوارب والسفن والطائرات أو مشياً على الأقدام أو سباحة، الالتجاء إلى اي بلد يريدون.. ولكن نقول لهم قبل صعودكم إلى القوارب اغسلوا أحذيتكم جيداً حتى لا تدنِّسوا حبة من تراب لبنان قد تكون بقيت عالقة بها.. وأخيراً، مهما عظمت التضحيات يبقى إيماننا بالله والوطن، لن يتزعزع.. سنحيا ليحيا لبنان"!

 

(40)

لا تزال نار الشرق الأوسط مستعرة، ومهما كانت وحشية النيران فلن يتحول الشرق الأوسط إلى (الشر... الأوسط).. هيهات هيهات.

لا سيما ما تفعله الصهيونية بكل وقاحتها السياسية وعملائها في المنطقة، إن كيد الصهيوني كان ضعيفا.

وسيظلون لا يساوون جناح بعوضة، مهما كانت ماكيناتهم الإعلامية فضجيجها بلا طحن...!

ولا تغرتكم الغواية الصهيونية والماسونية...

الذي جذوره في الهواء.. لا ينمو أبدا.