آفاق الحكومة الجديدة

حاتم الطائي يكتب:

"إعادة الهيكلة" تسرع من وتيرة الأداء وتقضي على الآلة البيروقراطية الضخمة في المؤسسات

2020.. عام التجدد والانطلاق نحو تطبيق الرؤية الأكثر طموحًا والأعمق تأثيرًا في تاريخ الوطن

الإرادة الصلبة وحسم الملفات المفتوحة وتوظيف الطاقات.. عوامل نجاح الحكومة الجديد

221 يومًا تُمثل نحو 7 أشهر أو يزيد من العمل الدؤوب والمُتواصل، عكف خلالها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- على ترجمة مضامين خطاب التنصيب التاريخي الذي ألقاه في 11 يناير الماضي، ثم الوفاء بالوعد الذي قطعه جلالته لاحقاً في الخطاب التأسيسي الذي تفضَّل وألقاه يوم 23 فبراير، عندما أكد لشعبه الوفي حرصه السامي على إعادة هيكلة مُؤسسات الدولة، وتنفيذ كل ما من شأنه أن يُساعد على "الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات" وأن هذه الجهود ستكون "عنوان المرحلة القادمة"، وقد صدق.

لقد مثّل يوم الأربعاء الماضي، أحد أيام عُمان المُشرقة، وتاريخًا مجيدًا ستتذكره الأجيال القادمة؛ إذ صدرت 28 مرسومًا سلطانيًا ساميًا، لن نبالغ إذا قلنا إنِّها غيّرت من شكل الدولة، وأعادتْ هيكلة الجهاز الإداري، على نحوٍ يتماشى مع تطلعات المُواطن، وتترجم الرؤية السامية لمُؤسساتنا الوطنية، ووفق ما يُسهم في تطبيق الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040". فمُؤسسات الدولة بعد هذه المراسيم وما سبقها وما قد يتبعها من مراسيم، تغير وجهها، وتقلص حجمها، وتحولت إلى التقسيم القطاعي، بدلاً من التقسيم القائم على توزيع المهام والاختصاصات ما أدى لتداخلها وتشابكها، فضلاً عن بطء منظومة العمل بسبب الآلة البيروقراطية الضخمة، فتأخرت قرارات، وتجمدت إصلاحات، وذابت جهود تطويرية، وذهبت أخرى سدى، لأنها لم تجد البيئة الحاضنة التي تُساعد على التطبيق والإنجاز، والظروف المواتية للتطور والتقدم المأمول.

ويتعين هنا التوضيح أنَّ الاحتفاء بجهود إعادة الهيكلة لا يعني إنكار أي تطوير شهدته مُؤسساتنا طيلة العقود الماضية، أو نفي أي إنجاز تحقق على أرض الواقع، بفضل السواعد العُمانية المُخلصة، والعقول الوطنية النيِّرة، لكن الوضع الجديد سيُتيح انطلاقة أقوى وأسرع نحو المُستقبل المنشود.. مستقبل نرى في مجتمعنا إنسانه مبدعاً، واقتصاداً بنيته تنافسية، وبيئة عناصرها مستدامة، ودولة أجهزتها مسؤولة، وهي المحاور الجوهرية لرؤية "عُمان 2040"، التي بدأنا هذا العام العد التنازلي لتنفيذها.

فعام 2020 يُمكن أن نُطلق عليه "عام التجديد"؛ إذ هو عام تجددت فيه بلادنا بين عهدين مُشرقين بنور شمس عُمان الساطعة؛ عهد قابوس الحكمة، وعهد هيثم المجد؛ فحكمة المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان المُؤسس قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- مكَّنت عُمان من بناء المُواطن، وتثبيت أركان الدولة، وتشييد مؤسساتها، وترسيخ مكانتها بين الأمم، إقليمياً ودولياً. ومع تولي جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- أيده الله- مقاليد الحكم، تعزز المجد العُماني، وبدأت مسيرة أخرى من الأمجاد تتحقق، أمجاد تقتفي أثر عظماء عُمان من سلاطينها وحكامها، أمجاد يُسطرها جلالة السُّلطان بدعم وتأييد الشعب العُماني، الذي يرفع راية الولاء والعرفان للمقام السامي، ويبتهج بكل خطوة يخطوها جلالته في طريق إصلاح مُؤسسات الدولة، وتطويرها بما يُواكب مُتغيرات العصر، وبما يُلبي الطموحات على مُختلف المستويات.

المجد العُماني يتجلى الآن في أبهى صوره، فجلالة السُّلطان المُعظَّم وبما نفذه من إجراءات إصلاحية، ارتكز على رؤية مُستنيرة قوامها التخطيط السليم والاستعانة بالكفاءات، مع بروز عُنصري الشباب والمرأة، واللذين يُمكن أن نقول إنهما جناحا النَّهضة المُتجددة بقيادة جلالة السُّلطان، فالشباب هم حيوية الوطن وروحه المُفعمة بالطاقة والأمل، وهم المُستقبل الأكثر ازدهارًا بإذن الله، كما إنَّ المرأة العُمانية رمز الاحتواء والصبر والرحمة، قادرة على إدارة ما يُناط بها من مسؤوليات، بحسم وحزم يحفهما اللين والرقة.

وبعد إعادة هيكلة مُؤسسات الدولة، من خلال دمج وزارات وهيئات، وإلغاء أخرى، فلا شك أنَّ أبرز ما تضمنته هذه المراسيم كان تشكيل مجلس الوزراء الجديد، ويجب أن نتوقف هنا عند جملة من النقاط، لكي نستوعب حجم التغيير الذي تشهده بلادنا وما ينتظرها من مُستقبل واعد، فضلاً عن إدراك آفاق هذه الحكومة الجديدة.

أولًا: هذه أول حكومة في عهد جلالة السُّلطان المُعظَّم- أيده الله-، ومن ثمَّ فجميع من فيها نالوا الثقة السامية وقد توسم فيهم جلالته الصفات التي تُؤهلهم لتبوؤ مناصبهم والقيام بمسؤولياتهم. وهذا يعني أننا أمام حكومة تدرك جيداً أنَّ عدسة مُكبرة تتابع جهودهم، فلا مجال لقرارات مُتسرعة أو غير مدروسة، أو تراخٍ في العمل، والانشغال بجاه المنصب أو الزهو باللقب. كما إنَّ على الوزراء الجُدد أن يكونوا أسرع من توقعات المُجتمع، خاصة وأنَّ النقد المُجتمعي الآن بات أشد وأعمق من ذي قبل، بفضل المناخ الرحب من حرية التعبير في بلادنا عبر مختلف المنصات.

ثانيًا: هي حكومة "عُمان 2040"، فمجلس الوزراء بتشكيلته الحالية منوط به تطبيق الرؤية المُستقبلية، على الأقل خلال السنوات الخمسة الأولى منها. ولا شك أنَّ إعادة هيكلة المؤسسات وبصورة قطاعية، ستُسهم في تيسير مهمة الوزراء، فجميع الصلاحيات- بالنسبة لأي قطاع- باتت لدى وزارة واحدة؛ إذ لا توجد وزارة حالياً تتشارك أو تتقاسم مع وزارة أو هيئة أخرى المهام والمسؤوليات، ومن ثمَّ اتخاذ القرار سيكون شموليا وإنجازا.

ثالثًا: الحكومة الجديدة معنية بمُعالجة ملفات رئيسية، تستدعي البدء فيها فورًا، ولذا لا مجال أمام الوزراء لأي بطء في عملية اتخاذ القرار، وعلى رأس هذه الملفات: ملف الباحثين عن عمل، والذي من الأفضل تسميته "ملف إدارة الموارد البشرية"، فالهدف ليس التوظيف وتقليل أعداد الباحثين عن عمل، بل الهدف الأسمى الذي يجب أن يضعه وزير العمل على رأس أولوياته، هو كيفية إدارة الموادر البشرية في الدولة، وكلي أمل بأن ينجح في ذلك، خاصة وأنَّ وزارة العمل تجمع تحت مسؤولياتها اختصاصات وزارتي القوى العاملة والخدمة المدنية (سابقًا)، وكذلك مسؤوليات التدريب والتأهيل والتطوير، ومن ثمَّ التوظيف. وهذا الملف تحديدًا يحتاج أولاً إلى غرس ثقافة العمل والتميز لدى جميع شبابنا، إذ ما يزال عدد غير قليل منهم يحتاج إلى التحلي بثقافة العمل والإيمان بها، قبل أن يحصل على وظيفة.

أما الملف الثاني فهو ملف الدين العام وعجز الموازنة، ولقد بات لدينا الآن وزيران من خيرة الخبراء الاقتصاديين، هما معالي سلطان بن سالم الحبسي وزير المالية، ومعالي الدكتور سعيد بن مُحمد الصقري وزير الاقتصاد، وهذا الملف بحاجة إلى ابتكار أدوات وآليات عمل تقلص من حجم الدين والعجز، وبلا شك خيارنا الأول تعزيز التنويع الاقتصادي، إلى جانب ترشيد الإنفاق الجاري، والتوسع في الاستثمارات وجذبها.

والملف الثالث ملف السياسة الخارجية؛ فلأول مرَّة لا نجد فيها جلالة السُّلطان هو وزير الخارجية، بل باتت مهام وزير الخارجية يتولاها وزير تكنوقراط وكفاءة وطنية نشأت وتدرجت في مُختلف المناصب بالسلك الدبلوماسي، وهنا نجد أنَّ مسؤوليات ثقيلة ألقيت على عاتق معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية؛ فالأزمة الخليجية، والعلاقات الإقليمية والدولية في عالم مُتغير ومتسارع مليء بالتناقضات، واحتمالية مجيء إدارة أمريكية جديدة، والعلاقات مع القوى العظمى الصاعدة، كلها قضايا مفتوحة أمام الوزير الجديد.

وختاماً.. إنَّ آفاق حكومتنا الجديدة تشير إلى تحديات وفرص في آنٍ واحد، لكن في الوقت نفسه الخيارات كلها مُتاحة، والواقع مُهيأ ومواتٍ لكل خطوة إيجابية تستفيد من الفرص وتتجاوز التحديات، وما على الوزراء الجُدد سوى أن يتحلوا بالإرادة الخالصة لتحقيق المُنجزات، وأن يوظفوا طاقات الإبداع الكامنة في كل ركن من أركان مُؤسساتنا الوطنية.. والله نرجو أن يُوفق جلالة السُّلطان المُعظَّم لكل ما فيه خير بلادنا، وأن تتكلل جهود المُخلصين من أبناء عُمان بالنجاح والتوفيق؛ إنِّه ولي ذلك والقادر عليه...

الأكثر قراءة