"التعليم المدمج" بين التخطيط والتطبيق

 

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

بعد صبرٍ جميلٍ، وترقبٍ طويل مِن قِبَل أولياء الأمور لمصير العام الدراسي، وكيف تُراه سيكون، أعلنت وزارة التربية والتعليم -خلال الفترة الماضية- مواعيد بدء العام الدراسي 2020/2021 بالنسبة لكافة الطلاب والطالبات؛ وذلك بداية من شهر نوفمبر المقبل، ونتيجة للأوضاع الراهنة التي تشهدها السلطنة والعالم أجمع فيما يتعلق بتفشي فيروس "كورونا"، فقد تقرر اعتماد منهج (التعليم المدمج) لكافة مدارس السلطنة.

ولا شك أنَّ الكثير قد تسألوا حول ماهية التعليم المدمج، الذي يُطبق لأول مرة في السلطنة كأسلوب تعليمي في جميع المدارس، والتعليم المدمج هو "مصطلح يتم استخدامه للتعبير عن التعليم الذي يجمع بين التعليم الإلكتروني والطرق التقليدية للتعليم؛ لإنشاءِ منهجية جديدة في التعليم تُسمَّى التعليم المدمج أو المختلط، وتمثل هذه الطريقة تغيراً كبيراً في الأساليب الأساسية للتعليم؛ مثل: حدوث تغيير في طريقة تعامل كل من الطالب والمعلم مع تجربة التعليم"، ويستخدم التعليم المدمج التكنولوجيا عبر الإنترنت كما هو واضح في معناه؛ من أجل تحسين وإكمال العملية التعليمية، وبالتالي فإنَّ التعليم المدمج هو مزيج بين طرق التعليم القديمة والجديدة، أي مزيح بين التعليم الرقمي والنظامي.

ويري المدافعون عن هذا الأسلوب أنَّ له ميزتيْن تُثريان التعلم؛ وهما: القدرة على جمع البيانات حول تعلم الطلاب وتخصيص المواد التعليمية والامتحانات التي تناسب أساليب تعلم الطلاب.

ومن المُفترض أن يكون نظام التعليم المدمج قد أُشبع نقاشا ودراسة وتمحيصًا من قبل وزارة التربية والتعليم، قُبيل الإعلان عنه؛ من حيث سلبياته وإيجابياته والتحديات التي ستواجهه، والحلول المتوفرة المتاحة، وما يتبادر للذهن عند التفكير حول نظام التعليم المدمج هو مدى كفاءة البنية الأساسية التقنية لدينا في السلطنة؛ فبناءً على قرار الوزارة أنَّ التطبيق سيكون لكافة المدارس دون استثناء، فكما هو معلوم أنَّ مساحة السلطنة مترامية الأطراف، وتحتوى على بيئة متنوعة من التضاريس الجغرافية لا نُقلل مما تقدمه وتبذله وزارة التقنية والاتصالات في إيصال شبكة الإنترنت لأغلب ربوع السلطنة، ولكن لنكُن صادقين مع أنفسنا؛ فهناك مناطق تُعاني من عدم وصول الشبكة إليها، هذا ونحن في القرن الحادي والعشرين؟!

ولا نعرف صراحة إنْ كان هناك تنسيق مُسبق حصل بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التقنية والاتصالات لمعالجة ضعف الشبكة الملحوظ للغاية في بعض المناطق، وكيف سيكون عندها إمكانية استفادة الطالب في المناطق التي لا يصلها الإرسال من تطبيق نظام التعليم المدمج في شهر نوفمبر المقبل، لا سيما وأنه يجمع بين التعليم النظامي والتقني، وهناك تصريح سابق من جانب معالي وزيرة التقنية والاتصالات "بأنه سيتم تغطية جميع مناطق السلطنة بخدمات الاتصالات والإنترنت عبر الأقمار الصناعية قبل نهاية العام الجاري ولمدة عشر سنوات"، نستمدُّ التفاؤل من قبل تصريح الوزيرة ونعتبره وعدا منها كونها على رأس هرم وزارة تعني بالتقنية وإيصال الخدمات التقنية كما نتمنَّى أن يتم البدء في المناطق الأكثر كثافة سكانية بحكم أكثرية الطلاب بها، كما رأينا بالأمس خبرا مرتبطا بنفس الموضوع والخاص بتوقيع اتفاقية بين هيئة تنظيم الاتصالات والشركة العمانية للنطاق العريض لتغطية القري والتجمعات السكانية بخدمات الاتصالات والإنترنت عن طريق الأقمار الصناعية لعدد 598 قرية تم إدرجُها في الاتفاقية، ومن هنا يجب أن يتزامن ابتداء العام الدراسي مع تطوُّر ملحوظ وملاحظ في تغطية أغلب المناطق بالإنترنت.

كما أنَّ هناك جانبًا آخر لا يقل أهمية يتعلق بتوفير أجهزة الحاسب الآلي من قبل الأسر العمانية لأبنائهم؛ وبما أن النظام الجديد فيه جانب تقني بحت؛ فماذا عن مَنْ يملك أكثر من ابن يدرسون في مراحل تعليمية متقاربة؛ فمن أين له شراء أكثر من جهاز؟ وكلنا يعلم التفاوت في القدرات المالية بين فئات المجتمع؛ فهل ستكون هناك مُبادرة بأجهزة توزَّع على فئات وشرائح معينة من المجتمع ممن لا يملكون المقدرة على الشراء؛ مثل: أصحاب الضمان الاجتماعي والأيتام وأبناء المتقاعدين أصحاب الرواتب الزهيدة؟!! وإن تصورنا أنه سيتم الاستعانة بالقاعات التقنية في المدارس بالنسبة للطلاب الذين لا يملكون أجهزة حاسب آلي أو ليس لديهم تغطية كفاية للشبكة في محل إقامتهم؛ فهل ستستوعب تلكم القاعات العدد الكبير من الطلاب رغم محدودية الأجهزة والمقاعد المتوفرة بها؟!

وكيف بالنسبة للمعملين، هل سيكون لديهم وقت كاف للإلمام بمنهج التعليم الجديد؟ علما بأنَّهم سوف يباشرون العمل قبل الطلاب بحوالي شهر؛ فهل ستكون هذه المدة الزمنية كافية لعمل دورات تدريبية وعقد ورش عمل عن بُعد للمعلمين، يستطيعون من خلالها هضم المنهج وتطبيق استخدام الحاسب الآلي من خلاله على أكمل وجه؟! ويا حبَّذا لو تكون الفترة الأولى تجريبية للمنهج؛ لمعرفة أوجه القصور به وسبل علاجها. كما أرجو من وزارة التربية والتعليم عمل خارطة طريق للمنهج التعليمي الجديد توضِّح كلًّا من دور الهيئة التدريسية وأولياء الأمور حتى يعرف كل طرف دوره للوصول للفائدة المرجوة للطلاب.

كلها أسئلة لمسناها من قِبل الرأي العام تبحثُ عن أجوبةٍ نتمنَّى أن تجد إجابة من قبل الجهات المختصة ذات العلاقة للتوضيح في الوقت المناسب قبل بدء العام الدراسي.