الهوامش.. نفوذ وسلطة في البحث العلمي

 

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"وأمانة العلم كما تعرف ثقيلة جدًّا لا ينهض بها إلا الأقوياء، وقليلٌ ما هُم" - طه حسين

 

كلُّ كِتاب لابد أن يحمل ويعطي فكرة عن كاتبه، وتفكيره وتياره الفكري ومبادئه، وبيان التزامه العلمي ومدى فهمه لماهية مجاله العلمي.

لكلِّ صنعة أساسيات وطرق، وأسرار ونظم، والتأليف في أي علم من العلوم ليس أمرا "سهلا"، ولا هو نُزهة قصيرة، بل يستوجب الاستعانة بالمبادئ والأسس العلمية، والاستفادة من لوائح التأليف المتعارف عليها كالإحالة للمراجع والمصادر والتهميش والتوثيق، وعلامات الترقيم والإحصائيات، وغير ذلك مما تتطلبه أبسط قواعد تأليف كتاب حسب القواعد المعروفة.

عندما نتناول الهوامش كمفهوم وإشكال ووظيفة، سنبدأ بتعريف الهوامش بأنها عبارة عن مدونات خارج المتن يُطلق عليها اسم الحواشي، ومن خلالها يقوم الباحث بتقديم أدلته التي تُؤكد صحة كلامه في موضوع معين؛ حيث يستخدم الأدلة التي تدلُّ على صدقه خلال المتن، ومن ثمَّ يُوثق هذه الأدلة أو يشرحها في الهوامش.

والمقياس في هذا: أنَّ أي فكرة أو فقرة مُتصلة اتصالًا مباشرًا بالأفكار الأساسية بموضوع البحث؛ فموضعها نصوص الرسالة ومتنها، وما هو منها مُتصل اتصالًا جانبيًّا كشرح نقطة، أو توضيح فكرة، أو تحليل لها، أو تعليق عليها، لو وُضِعت بصلب الرسالة لاستدعت انقطاع التسلسل الفكري للموضوع الأساس؛ فمثل هذا موضعه هامش الرسالة.

فالغاية من الهامش تجريد المتن من تلك الاستطرادات، التي لا تُعدُّ جزءًا رئيسًا من البحث؛ لكنها في الوقت ذاته ضرورية لإعطاء القارئ فكرة كافية.

حتى في الأدب والروايات، لابد من الاستعانة بهوامش وطرق التوثيق عندما تتمُّ الحاجة لشرح أمر ذكر بالرواية ويدل على حدث ما أو موقف ما، سيما ونحن نعايش ما يُسمِّيه الكثير عصر روايات السيرة الذاتية!

في الكُتب العلمية التي تختص بالعلوم التجريبية لا غنى عن التقيُّد بأسس مناهج البحث العلمي، إذ لا يُمكن العمل على كتاب بدون الاستعانة والتعامل الجاد مع هذه القواعد المهمة لأي مُؤلَّف (بفتح اللام).

يُقال إنَّ أي كتاب أو بحث تزداد هوامشه فهو ضِمنًا يُوضح الجدية البحثية للكاتب أو الباحث، ويزيد من الفائدة ويُتيح للقارئ مجالا "أوسع" للفائدة، لأن الهامش هو إحالة أو توثيق يُرجِع القارئ إلى مصدر أو مرجع أو حتى التنويه عن معلومة مُلحقة أو معينة لفهم المكتوب، وهناك كتاب يضعون الهامش بآخر الفصل المكتوب والبعض في آخر البحث أو الكتاب، وهناك وهذا ما أحبِّذه وأراه مفيدا أكثر، بل ويدل على موضوعية الكاتب، وهو كتابة الهامش نهاية الصفحة نفسها، وهناك هوامش كانت تأخذ ربع الصفحة أو نصفها بل وثلاثة أرباع الصفحة، ولا يضر هذا الأمر ألبتة، بل هو لفائدة القارئ للإحالة السريعة والتوضيح والتنويه لفهم أكثر.

في أكثر من كتاب يأتِي اسمٌ لشخص معين له صِلة بالمكتوب، ويكتفي المؤلف بوضع إشارة هامش عليه، وتحت السطور قد تجد ترجمة مُختصرة للشخص بأكثر من أربعة أو خمسة أسطر، وربما بها معلومات أهم من المكتوب أو المبحوث الأساسي، أتذكر بأحد الكتب (من كتب السير) كنت أستفيد من الهوامش كتعليق من المؤلف أو ذكر حادثة أو تنويه أكثر من الكتابة للموضوع الأساسي للكتاب، نتيجة اهتمام المؤلف بتفصيل بعض الأمور، وتسليط الضوء عليها دون تأثير على الموضوع الرئيسي، وكان هذا الكتاب من أهم الكتب التي استفدت من هوامشها، وليس الموضوع الرئيسي فحسب!

وحتى أبسِّط الأمر أكثر، فأي كتاب أو بحث يحتوي على معلومة يفترض ضمنيا "أنها من الكاتب نفسه، جادت بها قريحته الكتابية، وإلا فهو مُلزم أخلاقيا ومهنيا بأن يُسند المعلومة إلى مصدرها، القضية ليست في أنَّك تكتب وتطبع وتنشر، بل هُناك مسؤولية أخلاقية ومهنية وعلمية أهم من ذلك؛ ففي فلسفة الكتابة ومراحلها، وتدوين النظريات أو ابتكارها، وذكر أحداث وتأريخها، لابد من مصدر واضح لا يقبل الشك والتشكيك؛ لأنَّ القارئ (أي قارئ) عندما يقرأ، سيفترض إرجاع المعلومة لمؤلف البحث أو الكتاب، إن لم تذكر مصادر أو مراجع، وإلا أصبحنا أمام سرقة علمية لا يُمكن التساهل بشأنها أو التهاون، بل ينسف البحث أو الكتاب لأنه افتقد  "المصداقية"، وهي الأساس الأمتن الذي يُبنى فوقه الكتاب، فإذا ضعف الأساس سينهار البناء قطعا".

ومن أنواع مناهج البحث العلمي المعروفة: المنهج الوصفي، والاستقرائي، والاستنباطي، والبنيوي، والكمي، والتاريخي، والتحليلي، والمنهج التجريبي. فإن أخذنا كمثال مُختصر المنهج الوصفي في البحث العلمي، فهو أحد مناهج البحث العلمي التي تستخدم في الغالب بهدف وصف وشرح ظاهرة معينة، وعرضها بطريقة نقدية للحصول على النتائج. تُشير كلمة "منهج" إلى الطريقة، بينما تشير كلمة "وصفي" إلى السمات التي تميز الفرد أو الظاهرة.. ويُعرف المنهج الوصفي بأنه:

1- منهج دراسات العلاقات المتبادلة: وهو منهج ينقسم إلى نوعين؛ هما: منهج دراسة الحالة، ومنهج الدراسات السببية المقارنة.

2- منهج الدراسات المسحية.

3- منهج دراسات النمو والتطور.

وكمثال أيضا آخر: هناك المنهج الوصفي التحليلي؛ وهو يقوم بعمل ما يُطلق عليه تحليل الظواهر ومقارتنها بشكل أكثر تفصيلا؛ وهناك من المناهج المهمة: المنهج الاستقرائي، والذي يعتمد على ثلاث قواعد؛ هي: االملاحظات، الفرضيات، التجارب.

وفي العلوم الإنسانية مثلا في علم الاجتماع، تنقسم مناهج البحث إلى نوعيْن رئيسيْن: كمية وكيفية، وتستخدم المناهج الكمية في إنتاج بيانات عددية أو إحصائية، بينما المناهج الكيفية بصفة أساسية في إنتاج بيانات حول الخبرات والمعاني الشخصية للفاعلين الاجتماعيين.

لذلك؛ وفي كل تخصُّص، توجد كُتب لمناهج وطرق البحث، وهي كقراءة سيكون من الصعب استيعابها، إنما تحتاج وجود موجِّه أو أستاذ في المرحلة الأولى من التعلم على الأقل، وأتمنى ألا تتهاون الجهات المختصة بالتأليف والنشر في الحفاظ والتدقيق على هذه الأسس المهمة حتى لا يتم نشر وطبع وفسح إلا الكتب المقومة علميًّا، ولو في الأساسيات، حتى لصون المؤلفات من الخلل والضعف.

------------------------

تنويه خاص:

يحتوي المقال على عِدَّة معلومات تخص ذات الموضوع، ونظرا لكثرة المصادر وأيضا عدة اقتباسات لم يكن سهلا تجاوزها حتى لا يتأثر المعنى العام. ولأنه مقال وليس بحثا علميا فقد اكتفينا بهذا التنويه حِفظًا للأمانة العلمية.