ناجي بن جمعة بن سالم البلوشي
nbalushi@alnaaji.com
عِنْدَمَا تذكَّرت كلمات الشيخ سُلطان بن ماجد العبري في أحد نِقَاشاته لوزيرة التربية والتعليم، قبل فترة زمنية ليست بالبعيدة، خاصة في ردِّه على ما امتدحه بالجوائز التي حصلتْ عليها الوزارة لمنصتها الإلكترونية "البوابة التعليمية"؛ حيث قال حينها: "المواطن يطلع فوق السطح، ويا الله يحصَّل إشارة الإنترنت، وإنتو تمدحوا البوابة التعليمة التي لا يعرف عنها الكثير من أولياء الأمور شيئا"، هذا الرد تذكَّرته اليوم بعد أن استوقفني خبرٌ مُفادة استبيان مُجتمعي لبدائل التعليم في السلطنة للعام 2020/2021م، فقُمت بالدخول إلى ذلك الاستبيان وقِراءة ما فيه، واتضح لي من قراءتي أنه يُركِّز على حلين فيهما شعبتان مفروغ منهما، أما الحلان فهما: التعليم بالحضور أو التعليم الإلكتروني عن بُعد، وأما الشعبتان فأولاهما الحضور الدائم أو الحضور الاختياري، وثانيتهما التعليم عن بُعد الدائم أو التعليم عن بُعد المتقطع .
ولأننا أوفياء لسلطنة عُمان وأبنائها، فنرى من وجهة نظرنا أنَّ الحلين لا يُمكن قبولهما قبولا صريحا، إلا إذا ألزمنا بهما لزاما، وتطبيقهما سيكون مجازفة حقيقية بالصحة أو بالتعليم؛ فالحضور إلى المدارس بشكل دائم يعني بث الوباء في أبناء الوطن ونشره بوسائل تساعده على ذلك الانتشار، فما تسجله إصابات موظفي الوحدات الحكومية اليوم وأماكن العمل والدوامات، يُؤكد ذلك، ولأني واحد من أولياء الأمور، فلا أثق ثقة مُطلقة في كل من العاملين في وسائل نقل الطلاب، ولا في عُمَّال الخدمات في المدارس كالتنظيف والتعقيم، ولا في الهيئة التدريسية نفسها، بل لا أثق في كل من يتولى رعاية وحضانة أبنائي بعد خروجهم من المنزل، ليس لأني في شك مما يقوم به الآخرون، بل لأن حكمة التباعد الجسدي وعدم لمس الوجه باليد بعد مُلامستها للأسطح غير ممكنة، وتكاد تكون مستحيلة لدى الأطفال أو من يرعاهم، كما أن الحكمة المعمول بها عند الكبار في هذه الجائحة هي "الشك في الآخرين كأنهم مصابون، والشك في نفسك كأنك مصاب".
حُضُور طلاب بعض الصفوف المختارة للتعليم في المدرسة أمرٌ لا يختلف عن حضور كل الطلاب إلى المدرسة، سوى بالتحديد فقط؛ فالاختلاط هو سبب انتشار الوباء، وهنا سيكون الاختلاط موجودًا، فحل الاختلاط التباعد حتمًا. الخيار الثالث الذي يُعنى ببقاء الطلاب في المنزل والتعلم عن بُعد للفصل الدراسي الأول، وانتظار أخبار الجائحة في المستقبل، هذا الخيار يكاد يكون صوابا إذا كانت كلمات الشيخ سلطان ليست واقعًا نعيشه في سلطنة عُمان، لكنها في الحقيقة الواقع الذي نعيشه؛ فجُغرافية سلطنة عُمان المتنوعة بين الجبل والسهل والوادي والساحل والصحراء والمدينة، شكلت حاجزا يمنعنا من تطبيق ما نريد بالتقنية اللاسلكية، وهناك أيضا ظروف تختص بالأهالي أولياء الأمور أنفسهم؛ فخليط الآباء والأمهات من الموظفين والحرفيين ورواد الأعمال، وإلمامهم أو معرفتهم بثقافة التعلم عن بُعد، وكيف يُمكنهم تفهم التعليم عن بُعد، وما إمكانية مكوثهم في المنزل للمساندة وتعليم أبنائهم، أو فهم آليات التعليم والاستبيان المنشور ذاته، كما أننا وضعنا الاستبيان ولم ندرس أوضاعهم المعيشية والاجتماعية كظروفهم في المساكن والحياة المجتمعية أو دراسة انتماءاتهم الثقافية والمعرفية، أو قدراتهم المعيشية كأبناء الضمان الاجتماعي أو غيرها من الظروف المصاحبة لنجاح البيئة والمناخ الدراسي التعليمي، وكذلك توافر المساحة في البيوت وتوافر الأجهزة الإلكترونية المستقبلة للتعلُّم التفاعلي عن بُعد، كما أننا نقدم سؤالنا الواضح والصريح للوزارة الموقرة في ماذا قدمت أو ما الذي قامت به من تدريب وتأهيل للطلاب والمتعلمين للتعلم التفاعلي عن بُعد قبل التفكير في الشروع بتعليمهم بهذه الطريقة الحديثة؟ الخيار الرابع لا يعني سوى ما قبله من الخيارات، إلا إذا لدى المختصين تفنيد لهذا الخيار؛ كأن يقولوا التعليم عن بُعد للمدارس الخاصة المتمكنة والقادرة على ذلك لما معها من إمكانيات ودراية وجاهزية وارتكاز وجودها في المدن والتحاق أبناء فئة من الناس بها، مع بقاء المدارس الحكومية على خيار حضور الطلاب للتعليم، ولأننا نريد أن نُسهم في حل مناسب لأبنائنا في هذه الجائحة التي تجعل من الجميع باحثًا عن حل ومساندة وطنية لوطنه الغالي، فإنني أقترح حلا مناسبا يجنبنا بعض الهفوات والنواقص، هذا الحل تمَّت تجربته منذ زمن بعيد، وحصل على استجابة فعلية من الطلاب والأهالي، كما أنه لا يجعل للأهالي عذرا من سوء التقنية والإمكانية والحالة الاجتماعية والأسباب التي سردنا شيئا منها؛ فالحل في نظري: بث مرئي على قناة تليفزيونية من قنوات تليفزيون سلطنة عُمان، تُعنى بالتعليم، أو لتفرَّغ إحدى القنوات العاملة اليوم على برامج أخرى كالرياضية مثلا، وفيها يكون الحل: "درس على الهواء"، هذا الحل سيشمل التعليم عن بُعد، لكنه بوسيلة متاحة للجميع؛ فالبث التليفزيوني يصل إلى كل بقاع السلطنة، دون أي مشاكل تقنية؛ ومنها يمكن لكل الطلاب متابعة شرح دروسهم اليومية، وهي التي بالتأكيد ستكون محددة بمواقيت وساعات معروفة للطلاب والمدرسين، كل صف على حدة، وكل مادة أيضا لها شرحها؛ فالطالب يُمكنه فهم الشرح والدرس، والمعلم واجبه وضع الأسئلة لأبنائه في فصله المحدد له، وإرسالها إلى طلابه بالوسائل الممكنة، ومنها وسيلة باص المدرسة المعني بكل منطقة وقرية تسليما واستلاما.. أولياء الأمور بدورهم يتعاونون من المدرس والطالب في نسخ بعض الحلقات لأبنائهم، ووضعها لهم في هواتفهم النقالة، أو مساعدتهم في حل الواجبات، أو الاتصال بالمعلم في ساعات العمل الرسمية التي هو موجود فيها بالمدرسة.
ولأنَّ التربويين أدرى بطرق نجاح مثل هذا الحل الذي يُراعي كل جوانب الحياة الاجتماعية للأفراد، فنحن على يقين بأنهم سيُسهمون في وجود الطرق المثلى والأفضل دائما.. حفظ الله عُمان وجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، وأبناء عُمان الأوفياء.