"إحدى عشرة دقيقة"!

عبدالله الفارسي

 

"أسوأ الأوقات تلك التي تكتشف بأنك أحرقتها في قراءة رواية رديئة!"..

لدي أكثر من خمسين كتابا ورواية في جهاز التاب، حين انتهي من قراءة كتاب أو رواية أحذف وأضيف أخرى، أحذفُ ما يستحق الحذف، واحتفظ بما يستحق البقاء، وهكذا دواليك.

إنها رفقتي الوحيدة وملاذي الدائم، إنها عالمي الذي أهرب إليه من جحيم الآخرين.

قبل يومين شعرت بملل كبير من القراءة الإلكترونية، شعرت بشغف ورغبة عارمة لقراءة الكتاب الورقي.. ملامسته.. تصفحه.. وأحيانا شمه وتقبيله؛ ولم لا؟!

فللكتاب الورقي متعة مختلفة، ونكهة مميزة ومغايرة تماما عن قراءة الكتاب الإلكتروني، الكتاب الورقي يلامس روحك، ويعانق سماواتك، ويغرقك في الرضا ويملأك بالانتشاء.

ذهبتُ إلى المكتبة لاطفاء رغبتي العارمة تلك، وإبهاج نفسي برواية جميلة، وقراءة ورقية ماتعة.

كان في ذهني روايتين؛ الأولى للكاتب البرازيلي باولو كويليو؛ وهي رواية بعنوان "إحدى عشر دقيقة".

والرواية الثانية للكاتب الفرنسي كزافييه دومونتبان بعنوان "بائعة الخبز".

قرأت بعض تحليلات وتعليقات مشجعة عن رواية باولو كويليو تلك، وسبق أن قرأت لهذا الكاتب روايتين من قبل وهي رواية الخميائي ورواية الجاسوسة.

لا أعلم حقيقة كيف يفهم الناس الروايات وكيف يقيسون جمالها ومعدل متعتها!! فكلا الروايتان لم يقناعاني مطلقا، لكنني أضطررت لقراءتهما حتى النهاية من باب قتل الوقت والقضاء على الفراغ.

لكن حقيقة أقولها: لم تكن الروايتان بذلك الزخم الروائي الذي كنت أتوقعه، ولم تحمل في سطورهما تلك المتعة التي تأسرني، وتربطني في سريري مبحلقا غارقا في سطورها  حتى آذان الفجر.

ولا أعرف لماذا يعتبر باولو كويليو رمزا من رموز الرواية العالمية في العالم حاليا؟! هل من باب أن "الأفرد بين العميان شيخ وزعيم؟!". أم أن لا أحد في الساحة فقد مات "الأجاويد"، ورحل العملاقة، وانقرض المبدعون؟! أم ربما بسبب الجفاف القيمي والنضوب الفكري للأدب في الكرة الأرضية؟! هل يا ترى "لثقب الأوزون" علاقة بهذا الانحطاط الروائي والقرائي في العالم؟!

لست أدري!!

الذي دفعني لاقتناء رواية "إحدى عشر دقيقة" هو عدد طبعاتها، فقد كانت الطبعة السادسة عشر، فقلت في نفسي رواية تطبع ستة عشرة مرة لا بد أن تكون رواية صاروخية، رواية مريخية!! رواية غير قابلة للقسمة على اثنين! حتما ستكون رائعة من روائع القلم اللاتيني المتخم بالحكمة، والمعبأ بالفلسفة والسحر والجاذبية!

اقتنيت الروايتين؛ "إحدى عشرة دقيقة" كان ثمنها أربعة ريالات، وهي تتكون من مائتين وثمان وستين صفحة من القطع المتوسط. والرواية الثانية "بائعة الخبز"، وكان ثمنها ثمانية ريالات، وكانت كبيرة الحجم، أكثر من سبعمائة صفحة من القطع المتوسط.

أنا من النوعية التي تشعر بغبطة وسعادة كبيرة حين أشتري كتابا جديدا، أو تقع عيني على رواية جميلة، لا أدري لماذا؟ هل لأن الكتاب هو الشيء الوحيد الذي بقي لنا من أكاذيب الحياة وملذاتها الزائفة؟ ربما!

قررت البدء بقراءة الرواية الأصغر حجما، جهزت طقوس القراءة؛ وهي طقوس مقدسة بالنسبة لي؛ أي خطأ فيها، تفشل عملية القراءة برمتها وتندثر... القراءة في وقت متأخر من المساء، وفي السرير، وعلى مصباح القراءة.

وشرعت في التهام الرواية، حقيقة صدمتني الرواية، ولم أتمكن من اتمامها، وصلت حتى الصفحة 150، وقررت التخلص منها!

سألت نفسي: كيف طبعت هذه الرواية التافهة ستة عشر طبعة؟ هذه الطبعات العربية فقط.

ما الذي جعلها تنتشر وتباع وتنفذ بهذه الطريقة الفلكية السريعة؟ رواية لا تحمل أي مغاز جميلة، ولا معان سامية، ولا قيم راقية ولا فلسفات عميقة. إلى هذه الدرجة يغرق العالم في الحضيض؟!

رواية تتحدث عن الجنس، وأن كل المتعة الجنسية تحتاج إلى "إحدى عشر دقيقة" فقط، وأن الرجال، كل الرجال يبحثون عن الجنس لاضطراباتهم النفسية وعدم استقرارهم العاطفي، هذه كل الرسائل التي أراد الكاتب أن يوصلها إلينا.

قيم مبتذلة، ومباديء رخيصة رديئة، استطاع الكاتب أن يسوقها في كوكب الأرض الذي لا ينقصه الابتذال ولا الرداءة.

كيف استطاع الكاتب أن يضحك على عقول ملايين البشر، ويسوق لهم رواية بهذا الحجم من التفاهة، وهذا المقدار من السخف والهبوط.

كيف تمكن باولو كويليو الكاتب الذكي من جني ملايين الدولارات مقابل رواية لا تمنحك سوى الغثاثة  والقرف والصدمة من تفاهة المضمون.

لكن، لا بد أن أعترف بأن باولو كويليو الذكي استطاع أن يقنعني بشيء واحد فقط من خلال المائة والخمسين صفحة التي قراءتها من روايته الرديئة هذه، تمكن أن يغرس في نفسي حقيقة ناصعة واضحة، وهي أننا فعلا نعيش في عالم سافل، عالم خال من الجمال، عالم قفر من الروعة والإبداع والارتفاع.

فشكرا باولو كويليو.. شكرا على هذا الدرس المرير.