تبًا لك يا "كورونا"!

حمود بن علي الطوقي

مُنذ أن طَرَق العام 2020 أبوابنا، وهو عامٌ ثقيلٌ على قلوبنا، وما إن يمر علينا يوم إلا ونودِّع حبيبا وصديقا، وأبا وأما، وأخا وأختا، وأحباء يرحلون عن عالمنا تباعا.. هذا العام مُختلف بكلِّ ما تعنيه الكلمة؛ فسيسجل التاريخ ضحايا هذا العام أنهم رحلوا عنا في مرحلة صعبة، ولأنه عام صعب فعقاربه تدور ببطء شديد، والكل يتمنَّى أن ينجلي هذا العام على خير، ونستقبل عامًا جديدًا أخف وطأة وأكثر بهجة عن ذلك العام الكبيس.

بالأمس ودَّعنا من ضمن قافلة الذين رحلوا عن عالمنا الدنيوي، الأخ والصديق المهندس الخلوق مُحمَّد بن حمدون النعماني -رحمه الله- فمع مطلع هذا الشهر، جاءتني رسالة عبر هاتفي "نسألكم الدعاء لأخونا محمد، فهو يرقد في المستشفى متأثرا بإصابته بفيروس كورونا"، مرَّت الأيام عصيبة على إخوانه وعائلته، وعلى كل من يعرفه، وكانت الأكف ترتفع إلى السماء للدعاء إلى الله بأن يشفيه ويشفي كل مريض تعرض للإصابة بهذا الفيروس الماكر.

بالأمس، وصلنا خبر وفاته، بعد أن قاوم ودخل في معترك شرس مع المرض، لكن شاءت الأقدار أن ينتصر هذا الفيروس، ويستسلِم مُحمَّد، وتصعد روحه إلى بارئها، تاركا أثرا طيبا وسيرة حسنة وحياة اتسمت بالجد والاجتهاد والحيوية.

ما إنْ أُبلِغت بنبأ وفاة الصديق العزيز مُحمَّد النعماني (أبو المنذر)، حتى عاد بي شريط الذكريات إلى زيارته لي لما كنت أدرس في المملكة المغربية، كان هو طالبا يدرس هندسة الإلكترونيات بإحدى أرقى الجامعات البريطانية، ورغم زيارته القصيرة إلا أنها تركت أثرا طيبا، فقد أحبه كل الأخوة، ورغم أنه لم يلتقِ بهم إلا أنهم انهالوا بتقديم واجب التعزية مُتأسفين لنبأ وفاته.

نعم.. رحل الصَّديق مُحمَّد النعماني، وتقبلنا بصدر رحب، وهذا أمر الله، ولكل أجل كتاب.

رَحَل مُحمَّد النعماني تاركا إرثا طيبا وحتما من يعرفه سيبكي كما بكيت وتألمتُ؛ فقد كان نعم الأخ ونعم الصديق، وكان يناديني "خالي"، وكنت أناديه "الخال"؛ نظرا لنسب الدم في القربى.

عاش مُحمَّد بن حمدون النعماني -55 سنة- وكأنه طير يطير وينتقل من غصن إلى غصن، ينشر الفرحة والابتسامة، عاش سعيدا ومات سعيدا، درس في طفولته مع إخواني سعود ومسعود بمدرسة الحرس السلطاني وهي من أفضل المدارس، وكان محظوظا من يلتحق بهذه المدرسة التي تخرج فيها جيل من الشباب العماني المتميز بالالتزام والانضباط.

تخرَّج مُتفوقا في دراسته، وحصل على بعثة دراسية ليلتحق بالدراسة في إحدى أرقى الجامعات البريطانية، وتخرج مهندسا للإلكترونيات لينضم بعد تخرجه إلى خدمة عُمان الغالية، عمل لسنوات في المكتب السلطاني حتى أحيل إلى التقاعد برتبة مقدم.

ترك أبو المنذر العمل، وخلَّف بصمة طيبة، وكان سببا في تدريب جيل من الشباب الجدد، وصقلهم بالعلم والفكر والمهنية في العمل.

ولأنه يُؤمن بأنَّ العمل عبادة، فلم يتوانَ عن تأسيس شركته الخاصة في مجال تنظيم البرامج السياحية، ورغم حداثة الشركة التي أسماها "الوسيط للسفر والسياحة"، إلا أنَّها استطاعت أن تثبت جدارتها في السوق. وخلال مدة قصيرة، كانت شركته الصغيرة تنظم برامج وأفواجا سياحية لمختلف محطات العالم.

قال لي عندما باركت له تأسيس الشركة: "إنني أتسلى حتى لا يهزمني التقاعد". فقد كان الراحل مهتما منذ وقت مبكر من عمره بالأعمال التطوعية، وكانت أياديه بيضاء في مساعدة المحتاجين، وكانت فرحته لا تُوصف عندما يقوم ببناء مسجد أو مدرسة أو يقوم بحفر بئر في دول فقيرة انقطع بها سبل العيش.

هكذا كان يقضِي صديقنا الراحل أيامه في العبادة والطاعة ومساعدة المحتاجين.

نسأل الله أن يغفر له ويتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنانه، وإلى جنات الخلد يا أبا المنذر؛ فالعظماء أمثالكم لا يموتون، فسيرتهم تظل حية إلى الأبد.