النظم التعليمية ومهارات المستقبل

 

 

د. حمد بن عبدالله البوسعيدي

Alward60@hotmail.com

تَحرصُ الكثيرُ من الدول على تنمية وتطوير كوادرها البشرية؛ نظرا لأن هذه الكوادر تعتبر الثروة الرئيسية للأمة، والركيزة الأولى لأي عملية تنموية في عالم يتصف بالتغير والتطور السريع في كافة الأصعدة؛ فرأس المال المادي والموارد الطبيعية رغم أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما بدون العنصر البشري الكفء المتعلم والمدرب لن يكون لهما أية قيمة، فالبشر هم القادرون على استخراج هذه الموارد وتسخيرها في عمليات الإنتاج وتحويلها إلى سلع مادية وخدمات، وصولا إلى تحقيق الرفاهية والتقدم الاقتصادي للدولة، ومع تعاظم دور الكوادر البشرية في دفع عجلة التنمية فقد وصفها الاقتصاديون بأنها رأس مال بشري، ووصفت بلغة المحاسبين بأنها أصول بشرية، بينما وصفت بلغة الإداريين بأنها رأس مال ذكي أو فكري، ويعود ذلك لأن الإنسان هو عصب الإنتاج؛ فلا يمكن للآلات والمعدات أن تعمل بدونه.

ومما لا شك فيه أنَّ تنمية وتطوير الكوادر البشرية تبدأ من النظام التعليمي بمختلف مراحله ومستوياته؛ لأنه يشكل حاجة ضرورية وملحة لكل من الفرد والمجتمع؛ فهو الوسيلة الأساسية لإعداد وتأهيل القوى البشرية العاملة الفنية المطلوبة في مختلف الميادين لرفد سوق العمل بها، كما يؤدي التعليم مهمة رئيسية في تربية الأجيال على المواطنة، ويساعدهم على تغيير تفكيرهم وسلوكهم بما يتلاءم مع متطلبات الحياة، ويوسع معارفهم ويرفع من مستوى وعيهم المادي والفكري، ويسهل عملية تكيفهم مع البيئة المحيطة، ويكسبهم المهارات والخبرات والكفاءات اللازمة لمواكبة التطورات الحاصلة في كافة مجالات الحياة.

وانطلاقا مما سبق، فإن النظم التعليمية تقع على عاتقها مسؤولية إعداد المتعلمين للتكيف مع التغيير المعرفي السريع واستيعابه، وتزويد المتعلمين بمصادر المعرفة المتاحة، وتوظيفها في عمليتي التعليم والتعلم، لذا ظهرت العديد من المبادرات العالمية لتحديد مخرجات التعليم التي ينبغي توفرها في خريجي المستقبل فظهر مصطلح مهارات المستقبل ويمكن تعريفها بأنها: "هي مجموعة من المهارات لضمان استعداد المتعلمين للتعلم والابتكار، والحياة والعمل والاستخدام الأمثل للمعلومات والوسائط والتكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين"، وكان من أمثلة المبادرات العالمية لتحديد مخرجات التعليم مبادرة الشراكة من أجل مهارات القرن الحادي والعشرين في الولايات المتحدة الأمريكية برعاية وزارة التعليم الأمريكية وعدد من المؤسسات الاقتصادية الكبرى، ومبادرة تعليم وتقويم مهارات القرن الحادي والعشرين وهو جزء من مشروع عالمي برعاية سيسكو (Cisco)، وأنتل (Intel) ومايكروسفت (Microsoft)، وهي من مبادرات منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي التي تضم معظم دول العالم المتقدم، ويهدف هذا المشروع إلى تزويد صانعي القرار والباحثين والتربويين بالمعرفة اللازمة لوضع السياسات والممارسات التربوية وتحديد متطلبات المتعلمين في مجتمع المعرفة.

وتُشير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى أن التعليم في القرن الحادي والعشرين يرتكز على أربع دعائم رئيسية؛ هي: التعلم للمعرفة: ويقصد بذلك توفير الأدوات والمهارات المعرفية اللازمة لفهم العالم، والجمع بين الثقافة العامة، وبين إمكانية البحث المتعمق في عدد من المواد، والإفادة من الفرص التي توفرها التربية مدى الحياة، والتعلم للعمل: ويشير إلى توفر المهارات التي من شأنها تمكين الأفراد من المشاركة بفعالية في الاقتصاد والمجتمع العالميين، والتعلم للعيش مع الأخرين: ويعني توجيه الأفراد نحو القيم المتعلقة بحقوق الإنسان، والمبادئ الديمقراطية، والتفاهم، والاحترام بين الثقافات، والسلام بين جميع مستويات المجتمع، والعلاقات الإنسانية، وذلك لتمكين الأفراد والمجتمعات من العيش في سلام ووئام، والتعليم لإثبات الذات: ويعني تعلم المهارات الاجتماعية لتمكين الأفراد من تنمية أقصى إمكانياتهم من النواحي النفسية، والاجتماعية والعاطفية والمادية، بحيث يصبح الفرد متوازنا ومتكاملا من جميع النواحي.

وتكمُن أهمية مهارات القرن الحادي والعشرين في كونها تعزز قدرة المتعلمين على مواجهة التغيرات المتسارعة، وتُهيِّئهم لمستقبل مليئ بالاختراعات والاكتشافات والتقنيات غير المألوفة، وتمكنهم من مواصلة التعليم والإبداع والوصول إلى المعرفة واستخدامها بشكل أمثل، وتساعدهم على فهم المواد الدراسية والربط بينها من أجل تنمية تفكيرهم وتمكينهم من بناء أفكار جديدة، والاستفادة من أدوات المعرفة والتقنية لمواصلة تعلمهم مدى الحياة، كما أن هذه المهارات تجعل الفرد قادرا على العيش بإيجابية في عالم زالت فيه الحواجز الثقافية والجغرافية بحكم التدفق التقني والمعلوماتي.

وتبذل السلطنة جهودا كبيرة لربط العملية التعليمية بمهارات المستقبل واحتياجات سوق العمل؛ ومنها: موافقة مجلس التعليم على اعتماد وثيقة "الإطار الوطني العماني لمهارات المستقبل"؛ حيث يتضمن هذا الإطار مهارات وكفايات القرن الحادي والعشرين والثورة الصناعية الرابعة، والمهارات العامة اللازمة لسوق العمل في البرامج الدراسية، كما أنه سيزود مؤسسات التعليم المدرسي والعالي بمهارات المستقبل، ويعمل الإطار على إيجاد فهم مشترك حول مهارات المستقبل بين مختلف الجهات التعليمية للعمل بتناغم وتكامل فيما بينها، فضلًا عن تطوير النظام التعليمي في السلطنة لمواكبة متطلبات التنمية المستدامة، وتطوير الممارسات التعليمية والتعلمية بما يتناسب مع المعايير العالمية، وضمان إكساب المتعلمين المهارات اللازمة لمواكبة التطور المتسارع في العالم، وتعزيز التنافسية لديهم في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية وتغيير نوعية المهن والوظائف المستقبلية، ويأتي هذا الإطار الوطني منسجما مع محور الإنسان والمجتمع في الرؤية المستقبلية (عمان 2040) الذي من بين أهدافه أن يصبح النظام التعليمي في السلطنة على مستوى عالٍ من التنافسية، ومواكبا لمتطلبات التنمية المستدامة.

تعليق عبر الفيس بوك