التعليم في زمن كورونا

 

 

محمد بن حمد البادي

Mohd.Albadi1@moe.om

 

بعد توقف الحياة في معظم مجالاتها منذ مطلع العام الجاري؛ استجابة للواقع الذي فرضه فيروس كورونا -هذا الضيف الثقيل الذي حل تقريباً على جميع دول العالم دون استثناء- تواصل المؤسسات التعليمية بالسلطنة العمل ليل نهار لدراسة سيناريوهات متعددة لكيفية بدء العام الدراسي الجديد، والذي لا يفصلنا عنه سوى شهر وبضعة أيام، ثم اختيار أنجعها وأفضلها ليوضع موضع التنفيذ؛ بما يكفل استمرار تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية التي تضمنتها خطط المؤسسات التعليمية والتربوية بالسلطنة.

فبعد أن انقطعت الدراسة اضطراريًّا بصورةٍ مفاجئةٍ منذ مارس الماضي؛ بسبب جائحة كورونا (كوفيد 19)، والتي جعلتنا ننهي العام الدراسي مرغمين في وقتٍ سابقٍ لأوانه، فإن المؤسسات التعليمية بالسلطنة تسعى جاهدةً لاتخاذ كافة الاستعدادات لبدء العملية التعليمية مطلع العام الدراسي الجديد؛ مع الوضع في الاعتبار ضرورة مراعاة التقيد بكافة التدابير الاحترازية والوقائية ضد هذا الوباء في أوساط العاملين في الحقل التربوي.

والآن.. لا حديث آخر إلا عن آلية التعليم التي ستطبق بداية العام الدراسي، هل سيطبق نظام التعليم عن بُعد؟ أم هل سيتم اعتماد الدوام الجزئي للطلاب؛ بحيث يكون حضورهم إلى المدرسة لا يتعدى نسبة الـ50% من العدد الإجمالي للطلاب لكل يوم دراسي فقط، أم أن هناك سيناريوهات أخرى تدور في خلد أصحاب القرار؟

إنَّ ثقتنا بالمعنيين باتخاذ هذا القرار لا حدود لها؛ فهم بلا أدنى شك لديهم من الحصافة والكياسة وسعة الاطلاع وبُعد النظر ما يمكّنهم من اتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن، وأنهم لن يدّخروا وسعاً من أجل الخروج بمرئيات تتوافق مع امكانيات وقدرات كافة الأطراف المرتبطة بالعملية التعليمية، وبما يضمن تحقيق أهداف التعليم بالسلطنة.

ولكن لكل آلية صعوباتها التي تتعلق بها؛ فلو سلطنا الضوء للحديث عن الدوام الجزئي، فإننا نجد له عدة صعوبات؛ لعل أبرزها يتمثل في عدم تقبله من قِبَل كثير من الأسر، وإن تم ذلك فسيكون على مضض، وهذا شعورٌ فطريٌ منبعه الخوف على الأبناء من الإصابة بالوباء الذي لا يعرف حتى الآن ماهيته، ولا طريقة الإصابة به، ومن أين يأتي؟ وكيف ينتشر؟ وما يزيد المخاوف أن أبحاث المختبرات العالمية لم تتوصل حتى اليوم إلى أي علاج له، وهذا حقٌ مشروعٌ للوالدين، فهذه الفطرة السوية التي جٌبِل عليها الإنسان، يخاف على نفسه وعلى أبنائه وذويه؛ من الإصابة بأي مكروه.

أما التعليم عن بُعد؛ فإن صعوبات اللجوء إليه تتمثل في أن العديد من الطلاب يفتقدون في منازلهم للبيئة المهيأة والمحفزة للدراسة، فضلاً عن صعوبة اتصالهم بالإنترنت بسبب الطبيعة الجغرافية للقرى التي يقطنون فيها، أو عدم امتلاكهم للأجهزة المعينة على التعلم عن بعد، وإن وجدت هذه الأجهزة فإن غالبيتهم لا يمتلك إلا مهارات ضئيلة للتعامل معها بالصورة الصحيحة، وآخرون لا يجدون أي مساندة من آبائهم على النحو المأمول، في حين يحظى آخرون بكل ما سبق؛ وينخرطون في الدراسة بدون أدنى عائق، ويجنون ثمارها دون غيرهم؛ لذا يتعين علينا النظر بعين الاعتبار لهذه النقاط وغيرها من الصعوبات؛ من أجل تفادي اتساع الفوارق في الفرص؛ أو من أجل تضييق الفجوة قدر المستطاع؛ وتجنب ازدياد الآثار السلبية على تعلُّم أبناء الأسر ذوات القدرات والإمكانيات المحدودة.

من جانب آخر؛ فإن الطالب لا يذهب إلى المدرسة لتعلم المواد الأساسية وحسب، ولكنه يذهب ليعيش جزءاً من يومه في بيئة تعليمية تربوية، يقيم فيها علاقات اجتماعية مع أفراد المجتمع المدرسي؛ بعيداً عن الأجواء الدافئة التي ينعم بها فيه البيت بين أفراد عائلته؛ ويتعلم بطريقة غير مباشرة كيفية التعامل مع أقرانه، ويتعلم كيف يكون مواطناً صالحاً يفيد مجتمعه ووطنه.

أضف إلى ذلك أنَّ البيئة المدرسية تساعد على صقل مواهب وقدرات الطالب؛ وتنمي مهاراته الاجتماعية الوجدانية، ولا شك أنَّ الطالب سيفقد جزءاً غير يسير من هذه المهارات التعليمية في حال تطبيق نظام التعلم عن بُعد.

... إنَّ المؤسسات التعليمية والتربوية في السلطنة تبذل جهداً مضاعفاً، وتسابق الزمن من أجل التغلب على أزمة التعلُّم التي نشهدها حالياً بسبب فيروس كورونا، والإسهام في التقليل من الأضرار الناتجة عن هذه الجائحة العالمية، وأيًّا ما كان السيناريو المعتمد لكيفية بدء العام الدراسي الجديد، فإنه لا بد أن يعلن عنه بصورة مبكرة جدًّا، لكي تستعد جميع الأطراف المعنية بالعملية التعليمية لذلك، ومن أجل التهيؤ للطريقة الجديدة، التي غالباً أنها ستكون مغايرة لنظام اليوم الدراسي المعتاد، والأساليب التربوية والتعليمية المألوفة.