خيبة.. وخذلان!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

"الصَّديق المزيف كالظل يمشي ورائي عندما أكون في الشمس ويختفي عندما أكون في الظلام" - جبران خليل جبران

 

في سجل الحياة، لكلٍّ منا مواقف وممرات فاصلة، وخيبة وألم وفرحة وابتسام، لابد من أناس أعطيناهم زمام الثقة ومراسم التقدير، وانقلب الأمر على عقبيه، وكانت مناظر الخذلان ترتسم فوق الوجوه، وتستكين في بنى المشاعر، تصوُّرات فشلت، وأبواب أغلقت، آمال خابت، وكان العنوان الأخير هو الخذلان!

يُقال غالبا اتَّق شرَّ من أحسنت إليه، على اعتبار أن هناك من الذين يجازون الحسنى بنكران، ومن تجارب الحياة وجدت أنَّ هذا غير دقيق، قد ينطبق على القلة، لكنه لا يمثل الأغلبية، وفي الواقع أن الخذلان خذلان حتى لو من شخص وسط ألف شخص، علينا بتسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية.

الأذى مؤلم إنْ أتى من شخص غير متوقع، وحتى الكلمة المؤلمة ولو كانت عابرة يستحيل نسيانها، حتى لو تماسك المجني عليه وتقمص دور العافين عن الناس، لأنَّ العفو لا يمحي أثرَ رماح الألم وتجرعه المر!

على الأقل ستبقى الذكرى شاهدا لا يتزحزح عن مكانه داخل الوجدان.. نحن بشر من لحم ودم ولسنا آلات تُعبَّأ بوقود الديزل !

هناك من يحدثك للتجاهل واستخدام  فن التغافل، لكنه كالدواء التجريبي لا تعلم هل تنجح تجاربه أم لا، وإن نجح سيكون فارقا في إدارتك العامة لسماتك الشخصية، وسينقلك نقلة نوعية إلى وضع نفسي آخر، ولا يجيد مثل هذا الفن إلا الأذكياء، ليس كل إنسان لديه القدرة على التغافل، هي سمة صعب التعامل معها، لكن تأثيرها الإيجابي يخلص الإنسان من بقايا جراح الذاكرة، أو على الأقل يضعها داخل إناء مغطَّى لا يفتح إلا بإرادته وقتما أراد.. وأتذكر هنا قول الإمام أحمد بن حنبل إذ قيل إنه سُئل: "أين نجد العافية؟"، فقال: تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات، ثم قال: "بل هي العافية كلها".

يقول الروائي الروسي الشهير فيودور ديستويفسكي: لا أحد ينتبه لنظراتك الشاردة وأفكارك المثقوبة تستطيع خداع نصف العالم بأنك بخير وأنت ترجو من الله أن تكون كذلك فعلا، من العبارة السابقة نستنتج أن القضية نفسية، وأن أحوال الإنسان وإن تظاهر بعكسها لكنها تفصح وإن لم يقصد، الألم يغطي على الجوارح، ويجرح الصبر، ويتلكَّأ بدواخل نبرات التحمل، لكنه يفصح رغما عنه، وكما ذكرت بالفقرة السابقة أنت إنسان من لحم ودم.

هناك من يتعرَّض لظلم أو موقف يخذل به من الأقربين سواء أقارب أو أصدقاء، ويصفح ظاهريا أو كما تقول اللهجة المصرية المحببة "يعدِّيها"، ويتعاطى مع الاستيعاب الظاهري، لكنه يصارع النسيان ولا يستطيعه، ثم يدور الزمن دورته، ويجد من خذله في موقف محزن، وقتها تظهر الأخلاق الحقيقية، والمروءة، وتنطلق حروف الكلمات من غمدها متسارعة كالطلقات على صورة سؤال: هل ستصفح أو تشمت أم تصمت، ثم تدير ظهرك احتراما للأقدار؟

في مواقف دفع الثمن تبين معادن وأخلاق الإنسان، ومن هو: سيكولوجيا وأخلاقيا، الأفضل تصرفا هو تصرف الشجعان ألا وهو العفو وترك كل ما مضى بسوئه قبل حسنه وراء ظهرك، واعتبار الماضي درسًا لا يُنسى ونبراسا للقادم، البدء بحياة جديدة، وأنفاس تتنفس الحياة بهواء نقي لا زوابع ولا أتربة ولا غبار.

قال تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر:38).