خلفان الطوقي
لا يختلف اثنان بعُمان في أنَّ موضوع التوظيف هو أهم قضية وطنية تشغل بال الجميع، وأعظم دليل على ذلك أنَّ الجهود الحكومية بدأت منذ أكثر من ٣٠ عامًا لإيجاد حل يُرضي جميع أطراف العلاقة وما زالت المساعي مُستمرة، وهناك عشرات إن لم تكن المئات من الدراسات والمقالات والمُبادرات صبت جهودها - وما زالت مستمرة - لحل هذه المُعضلة القديمة المُتجددة، وآخر الجهود الحكومية وصلت إلى إنشاء للمركز الوطني للتشغيل في يناير ٢٠١٩م، والذي بدأ عمله فعلياً وعلنياً في ١ يناير ٢٠٢٠م.
ولأنَّ هذا المركز "وطني" وتلامس مهامه كل الناس، فسوف يستمر النقاش والحديث عنه وتقييم أعماله على الملأ عند كل مُناسبة، والأهم ألا تتوقف عنه المُقترحات الخلاقة والمبادرات المبتكرة لدعمه وتمكينه بما ينفع الصالح العام، وهذه المقالة هدفها اقتراح 10 ممكنات سوف تساهم في تمكينه بشكل أو بآخر والعمل بكفاءة أعلى، وأهم هذه الممكنات:
الإحصائيات الصحيحة والموحدة: في حال سؤالك لأي مسؤول حكومي من المركز أو وزارة القوى العاملة أو المجلس الأعلى للتخطيط أو المركز الوطني للإحصاء والمعلومات هذا السؤال، كم عدد الباحثين عن عمل؟ ستجد لكل منهم جواباً مختلفاً، وكل جواب منهم صحيح، ولكن من وجهة نظر المسؤول أو الجهة، لكن المتلقي أو المشرع أو متخذ القرار أو المتابع يحتاج إلى جواب واحد صادر من الجميع، وبذلك يستطيع المركز وبقية الجهات المعنية أن يعملوا بنفس المنهج، وتحقيق نفس الهدف.
وضوح التعريفات: كالتعريف بمن هو الباحث عن وظيفة، والباحث عن مهنة، والفرق بينهما، والباحث ولديه سجلات وأنشطة تجارية، والباحث ولديه دعم من صندوق رفد أو بنك التنمية العماني أو ترخيص لسيارة أجرة، ومن هو الباحث الحقيقي الجاد، والباحث بشروط تناسب مقاسه، والباحث ولم يعمل أبداً، وجنس الباحث ذكرا أو أنثى وعمره ومن أي محافظة ومستواه الدراسي، والباحث بعد تركه لعمله السابق، ونسبة الشركات الجادة، والشركات غير الجادة، ووضعها لعامة الناس، وإن كان هناك تصنيف، لكنه في قادم الأيام، المركز يحتاج إلى تصنيف وتعريفات إضافية وشاملة، والهدف من ذلك تفادي عدم إلقاء اللوم على المركز فقط، وإنما التكامل والتخطيط الشامل والانسجام مع بقية الأجهزة الحكومية الأخرى، وتحديد المسؤولية والقصور - إن وجد -بشكل دقيق.
القوانين والتشريعات: لابد للمركز أن تكون له كلمة ورأي في القوانين والتشريعات وإمكانية تقديم الاستشارات التي تخدم ملف التوظيف قبل اعتمادها، فكما هو معروف أنَّ هناك قوانين ولوائح توضيحية تشجع على توظيف العماني وتمنحه الأولوية، لكن هناك ما ينسف ذلك في قوانين أخرى، وخاصة فيما يتعلق بإلزامية الزيادات السنوية لكل الموظفين بغض النظر عن إنتاجيته من عدمه، وهناك أمثلة أخرى يمكن تفنيدها وتطوريها بما يتناسب مع متغيرات السوق المحلي.
الربط الإلكتروني وقاعدة البيانات الواسعة: لن يتمكن المركز الوطني للتشغيل من القيام بأعماله حسب ما يطمح، مالم يكن هناك ربط إلكتروني مع وزارة التجارة والصناعة والقوى العاملة وشرطة عمان السلطانية والأمانة العامة للضرائب والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات وغيرها من الجهات ذات العلاقة، لا يكفي أن تتعاون معه الجهات وقت الحاجة فقط، فالحل يكمن في ربط المعلومات إلكترونيا فيما بينهم، هذا لتمكين الإدارة التنفيذية الاستفادة القصوى من قاعدة بيانات شاملة، لكي يتمكن من اتخاذ القرارات المناسبة وبناء السياسات الاستراتيجية الفعالة، واقتراحه للمؤسسات الأخرى أن تتبنى سياسات وإجراءات تخدم الصالح العام، وهو حل معضلة التوظيف.
توسعة الصلاحيات: لابد لملف التوظيف كاملا غير منقوص أن يكون بيد المركز فقط، كما لابد لباقي الجهات كوزارة القوى العاملة ووزارة الخدمة المدنية أن ترفع يدها عنه بشكل مباشر أو غير مباشر، والتخلص الكامل من بعض الممارسات الخاطئة التي كان يقوم بها بعض الموظفين كالابتزاز أو المقايضة بمنح المأذونيات مقابل توظيف عدد من العُمانيين، لتفادي ذلك، الأجدى أن ينتقل الملف وباقي الصلاحيات بالكامل إلى المركز.
تطوير منظومة العلاقات (stakeholders ): كما هو معروف أن هناك مجلس إدارة للمركز، وبه ممثلون للقطاع الخاص، وربما تكون اجتماعاتهم قليلة مقارنة مع متطلبات وثقل هذا الملف، لذلك لابد أن يتبنى المركز خطة تنفيذية ممنهجة مع جميع أطراف العلاقة كرجال وسيدات الأعمال المستقلين، وأصحاب المؤسسات العائلية، وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والأكاديمين، والاستشاريين المتخصصين، والباحثين، والإعلاميين، والنشطاء في وسائل الإعلام، وأولياء الأمور وغيرهم، هذا الملف متشعب ومتجدد، والتعامل معه يحتاج إلى خُطط تنفيذية شاملة ومبتكرة وعصرية وديناميكية تلامس كثيراً من فئات المجتمع وبشكل مستمر وتتوافق مع تطلعاته.
الدعم البشري: بما أن ملف التوظيف متشعب، علينا أن نتعامل معه بواقعية ومنطق، ومن المنطق ألا نتصور أن الرئيس التنفيذي للمركز أو مجلس إداراته لديهم العصا السحرية لينفذوا هذا الموضوع أو ذاك، ويقولوا له كن فيكون، العكس وهو الواقع الحقيقي والمنطقي أنه يحتاج إلى فرق بشرية مؤهلة في كافة الدوائر الفنية والبحثية والإعلامية والميدانية وغيرها، شخص واحد لا يمكن أن يقوم بالمستحيل، ولابد أن نكون واقعيين وصادقين مع أنفسنا، فحسب المدخلات تكون النتائج.
المُبادرات العصرية: هذه النقطة متصلة ومرتبطة بما قبلها، فإذا تم تقديم الدعم البشري بطواقم مؤهلة وبعقليات عصرية خلاقة، يمكن لهؤلاء استشراف المستقبل في مجال التوظيف، ويكون بإمكانهم مساعدة وتوجيه الشباب العماني إلى التوجه إلى المنصات التي توظف الشباب من خلال منصات إلكترونية، أو دعم الشباب إلى إنشاء منصات إلكترونية محلية، ودعمهم ماليا وفنيا ومعلوماتيا ولوجستيا، وفتح أفق جديد لهم من خلال التوظيف الإلكتروني والعمل عن بعد بنظام التعاقد (freelancer)، ويمكن لكثير من الخريجين الاستفادة منه في وظائف منوعة كالمترجم واللغوي والمصمم وغيرهم الكثير.
اختيار ممثلي القطاعات: الآلية التي يعمل بها المركز أن لديه ممثلي القطاعات الحكومية من الزراعة والتعدين والثروة السمكية والسياحة والصناعات التحويلية والاتصالات والنقل وغيرهم، وهذه الفكرة جيدة في حد ذاتها، لكنها ليست كافية مالم يكن لديهم دعم مستمر من رؤساء وحداتهم الحكومية، ومن توفير لهم فرق مساعدة مؤهلة ومؤمنة بمهامها الوطنية تعمل كسكرتارية داخل وحداتهم وجزء آخر يعمل ليل نهار في الميدان، ويلتقي بكل أصحاب العلاقة، ويقدم تقارير شهرية لرئيس الوحدة، هدفها ضرورة تقليل التحديات وإزالة المعوقات يومياً.
تغيير المفاهيم الراسخة: لابد أن تتغير المفاهيم السابقة، وهو أن وزارة القوى العاملة هي المسؤولة الوحيدة، وأصبح الآن المركز هو المسؤول الأوحد، والحقيقة التي يجب أن ترسخ في أذهاننا جميعا من الآن وصاعدا أن هذا الملف هو ملف الجميع، وعلى الجميع مسؤوليات ولا يستثنى من ذلك أحد، وأن التوظيف هو مرآة لقوة وضعف الاقتصاد، والتوظيف بناء عليه يتأثر إيجابا أو سلبًا.
التمكين لا يكون بتوفير مبنى وأجهزة فقط، بل لابد أن يشمل توفير كافة عناصر النجاح البشرية والمالية والفنية والإعلامية والمجتمعية والبحثية، عندها يمكن تقييم التجربة بناءً على أهداف وأرقام ومؤشرات أداء واضحة، وأجزم أن نتائج المركز ستُحقق قفزة نوعية وستكون أفضل من السابق.