الجائحة تفاقم أزمة عدم المساواة بين الأجيال والجنسين

تداعيات مدمرة لـ"كورونا" على سوق العمل.. وهذه الوظائف مهددة بالزوال نهائيًا

ترجمة- رنا عبدالحكيم

تسببت جائحة "كوفيد- 19"، في تداعيات مُدمرة على الاقتصادات وأسواق العمل في جميع أنحاء العالم، حيث فقد عشرات الملايين من العمال وظائفهم، بينما تواجه العديد من المهن مستقبلًا غامضًا، وفقاً لتقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية.

وقالت الشبكة في تقريرها، إن إجراءات التباعد الاجتماعي تُهدد الوظائف التي تتطلب حضورًا جسديًا في مكان العمل أو تفاعلات مُباشرة بين الموظف ومتلقي الخدمة. وأوضحت أن أولئك الذين لا يستطيعون العمل عن بعد، ما لم يكن ذلك ضروريًا، يواجهون خطرًا أكبر بكثير من التخفيضات في ساعات العمل أو الأجر أو الإجازات المؤقتة أو حتى التسريح الدائم.

ويسلط التقرير الضوء على أنواع الوظائف والعمال الأكثر عرضة للخطر؟

وفي ورقة بحثية جديدة، تحقق "سي إن إن" في جدوى العمل من المنزل في عينة كبيرة من اقتصادات السوق المتقدمة والناشئة. وتقدر الشبكة الأمريكية أن ما يقرب من 100 مليون عامل في 35 دولة متقدمة وناشئة، قد يكونون معرضين لمخاطر عالية، نظرا لعدم قدرتهم على القيام بعملهم عن بُعد. وهذا العدد يعادل 15% من متوسط القوى العاملة في العالم. لكن ثمَّة اختلافات مهمة بين البلدان والعمال.

طبيعة الوظائف في كل بلد

معظم الدراسات التي تقيس جدوى العمل من المنزل تتبع تعريفات الوظائف المستخدمة في الولايات المتحدة. لكن نفس المهن في دول أخرى قد تختلف في التفاعلات المباشرة المطلوبة، أو كثافة التكنولوجيا لعملية الإنتاج أو حتى الوصول إلى البنية التحتية الرقمية. وفي المقابل، يستخدم مؤشر الجدوى للعمل من المنزل الذي قامت "سي إن إن" ببنائه، المهام التي تم تنفيذها بالفعل داخل كل دولة، وفقًا لاستطلاعات جمعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" من 35 دولة.

وتجلت اختلافات كبيرة بين البلدان حتى لنفس المهن، فالعمل عن بعد في النرويج وسنغافورة أسهل بكثير من العمل في تركيا وشيلي والمكسيك والإكوادور وبيرو، وذلك ببساطة لأنَّ أكثر من نصف الأسر في معظم البلدان الناشئة والنامية لا تملك جهاز كمبيوتر في المنزل.

من هم الأكثر ضعفًا؟

بشكل عام، العاملون في قطاعات الغذاء والسكن، وتجارة الجملة والتجزئة، هم الأكثر تضررا من الحصول على وظائف "عن بُعد" على الإطلاق. وهذا يعني أن أكثر من 20 مليون شخص في عينة "سي إن إن" ممن يعملون في هذه القطاعات هم الأكثر عرضة لفقدان وظائفهم.

ومع ذلك، فإنَّ البعض أكثر ضعفاً من غيرهم، فمن غير المحتمل أن يعمل الشباب ومن لم يتلقوا تعليمًا جامعيًا عن بُعد. ويتوافق هذا الخطر الأعلى مع الملامح العمرية للعاملين في القطاعات الأكثر تضررا من الإغلاق وسياسات التباعد الاجتماعي. ومما يثير القلق، أن هذا يشير إلى أنَّ الأزمة يمكن أن تضخم عدم المساواة بين الأجيال.

ويمكن أن تتعرض النساء لضربات شديدة بشكل خاص، مما يُهدد بإلغاء بعض المكاسب التي تحققت في المساواة بين الجنسين على مدى العقود الأخيرة. وذلك لأنَّ النساء يتركزن بشكل غير متناسب في القطاعات الأكثر تضرراً مثل خدمات الطعام والإقامة. إضافة إلى ذلك، تتحمل المرأة عبئًا ثقيلاً في رعاية الأطفال والأعمال المنزلية، في حين تعطل تقديم هذه الخدمات.

ويُواجه العاملون بدوام جزئي والعاملون في الشركات الصغيرة والمتوسطة مخاطر أكبر من فقدان الوظائف. فغالبًا ما يكون العمال بدوام جزئي هم أول من يتم تسريحهم عندما تتدهور الظروف الاقتصادية، وآخر من يتم تعيينهم عند تحسن الظروف. وتقل احتمالية حصولهم على الرعاية الصحية وقنوات التأمين الرسمية التي يمكن أن تساعدهم على تجاوز الأزمة. وفي الاقتصادات النامية، على وجه الخصوص، يُواجه العاملون بدوام جزئي والعاملون بشكل غير رسمي خطرًا داهماً بالوقوع في براثن الفقر.

ومن المرجح أن يكون تأثير الوباء على العمال ذوي الدخل المنخفض والعاملين غير المستقرين شديدًا، مما يزيد من التفاوتات طويلة الأمد داخل المجتمعات.

وقال تقرير "CNN" إن النتائج التي توصل إليها، وهي أن العمال الذين يأتون في نهاية قائمة توزيع الأرباح، هم الأقل قدرة على العمل عن بعد، ويدعم ذلك بيانات البطالة الأخيرة من الولايات المتحدة ودول أخرى. ولذا يخلص التقرير إلى أنَّ أزمة كوفيد-19 ستؤدي إلى تفاقم التفاوت في الدخل.

كيف يمكن حماية الأكثر ضعفا؟

من المحتمل أنَّ يغير الوباء كيفية إنجاز العمل في العديد من القطاعات وقد يعتمد المستهلكون بشكل أكبر على التجارة الإلكترونية، على حساب وظائف البيع بالتجزئة.

لكن ماذا تستطيع الحكومات أن تفعل؟

يمكنها التركيز على مساعدة العمال المتضررين وأسرهم من خلال توسيع التأمين الاجتماعي وشبكات الأمان للحماية من الدخل وفقدان العمل. ويمكن أن تساعد إعانات الأجور وبرامج الأشغال العامة في استعادة سبل عيشهم خلال فترة التعافي. وللحد من عدم المساواة ومنح الأشخاص احتمالات أفضل، تحتاج الحكومات إلى تعزيز التعليم والتدريب لإعداد العمال بشكل أفضل لوظائف المستقبل. ويعني التعلم مدى الحياة أيضًا تعزيز الوصول إلى التعليم والتدريب على المهارات لمساعدة العمال الذين شردتهم الصدمات الاقتصادية مثل كوفيد-19.

وأظهرت هذه الأزمة بوضوح أنَّ إمكانية الاتصال بالإنترنت كانت عاملاً حاسماً في قدرة الناس على مواصلة الانخراط في مكان العمل. ولذا فإنَّ الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وسد الفجوة الرقمية سيسمح للفئات المحرومة بالمشاركة المجدية في اقتصاد المستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك