ترجمة- رنا عبدالحكيم
يُوثّق الكاتب البريطاني لوك هاردينج في كتابه "دولة الظل.. القتل والفوضى وإعادة تشكيل الغرب بأيدٍ روسية"، سلسلة من الاتهامات المُباشرة إلى النظام الروسي الحالي، التي تُؤكد ضلوعه- بدعم من أجهزة المخابرات الروسية والجواسيس- في نشر الفوضى والانقسام في أوروبا وأمريكا، فضلاً عن تهديداته الخطيرة للديمقراطية الغربية.
ويُوضح هذا الكتاب للمُراسل السابق لصحيفة ذا جارديان البريطانية، في العاصمة الروسية موسكو، كيف استطاع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين أن يحقق انتصار ما بعد الحرب الباردة، من خلال زرع الفوضى في الغرب.
ويبدأ الكتاب بحادثة قيام قاتلان روسيان وصلا إلى مدينة ساليسبري البريطانية لاغتيال سيرجي سكريبل الضابط السابق في وكالة المخابرات الروسية في مارس 2018، والذي كانت جريمته تمرير معلومات سرية إلى جواسيس بريطانيين. وكان هذا الحادث بمثابة تذكير- كما لو كان مطلوبًا- بمدى ازدراء روسيا للمعايير الدوليةـ رغم فشل محاولة الاغتيال. ويقول المؤلف إنَّ الاتحاد السوفيتي وعقيدته اختفت منذ فترة طويلة، لكن لا زالت القواعد التي استخدمها جواسيس الكرملين خلال تلك المواجهة الطويلة مع الغرب، قائمة ويُعاد تطبيقها بين الحين والآخر. ويبقى الهدف الأساسي هو ذات الهدف السوفيتي: تقويض الديمقراطية واستغلال الانقسامات داخل المجتمعات، واستهداف السياسة الأمريكية والأوروبية.
وبعد ستة أشهر من فشل رجال المُخابرات العسكرية الروسية في سالسبيري، توفي رئيس القاتلين إيجور كوروبوف (مدير المخابرات العسكرية الروسية) في ظروف غامضة. وفي مقابلة للمؤلف مع فيكتور سوفوروف الضابط السابق في المخابرات العسكرية الروسية، قال "غريزتي الجاسوسية تخبرني أن كوروبوف قُتل. وجميع الأشخاص داخل وكالة المخابرات الروسية يعرفون هذا". والرئيس الروسي بوتين أمضى سنوات تكوينه ضابطا في المخابرات السوفيتية، يدير الإرهابيين اليساريين المتطرفين في فصيل الجيش الأحمر النشط في ألمانيا الغربية من قاعدته في دريسدن بألمانيا الشرقية. ويقوم بوتين في الوقت الراهن بما يتمتع به من خبرات، حيث يعمل على تجنيد وكلاء التسلل لزرع الفوضى في الغرب.
ويبرهن هاردينج- بالأدلة- أن أفضل وكيل لبوتين هو رئيس الولايات المتحدة؛ معتبرا أن دونالد ترامب ربما يكون أكبر وأقوى خائن في التاريخ الحديث. ويتحدث المؤلف إلى كريستوفر ستيل، الضابط السابق في موسكو، الذي يشير تقريره سيئ السمعة إلى عدد من المصادر التي تقول إن ترامب استأجر عاملين في مجال الجنس، للتبول على سرير في فندق فاخر بموسكو؛ حيث أقام أوباما مرة واحدة.
وتناول هاردينج مشهد القمة بين بوتين وترامب في هلسنكي عام 2018، وكتب: "نفى ترامب التواطؤ مع روسيا رغم أنَّ كل إنسان واعٍ كان على علم بهذا الأمر. ومع ذلك، كان سلوكه مع بوتين مناقضا تماما".
ويتطرق الكتاب إلى قضية أوكرانيا؛ حيث كان هانتر بايدن، نجل المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جو بايدن، مديرًا لشركة Burisma وهي شركة أوكرانية، سعى فريق الحملة الانتخابية لترامب لاستغلال قضية خاصة بها للنيل من بايدن، وحاول ترامب بنفسه التأثير على مجريات القضية من خلال مقايضة الرئيس الأوكراني لمساعدات أمريكية مُقابل إدانة نجل بايدن. وتلك كانت القضية التي سعى مجلس النواب- ذي الأغلبية الديمقراطية- إلى عزله بسببها، لكن الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ أنقذته من حافة العزل.
ويتهم المُؤلف الكرملين بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، ليتوافق ذلك مع ما تعتقده وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه". ويتساءل البعض ما إذا كان بوتين تدخل أيضاً في تصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المعروف باسم "بريكست". ويشير المؤلف هنا إلى أن الشعب البريطاني اعتقد أنه صوت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، لكن كان حريًا به أن يقول "كرميكست" طوال الوقت في إشارة إلى "الكرملين".
ويقترح أحد رجال المخابرات الروسية السابق في الكاتب أنه يعتقد أن دولة الظل الروسية تدخلت، وأكدت أجهزة الأمن البريطانية ذلك التدخل، لكن لم يحرك أحدا ساكنا؛ إذ لم تتخذ الدولة البريطانية تحت قيادة تيريزا ماي أية خطوات أو إجراءات، كما تجاهل بوريس جونسون الأدلة على "كرميكست".
المخابرات الروسية تدخلت في تصويت البريطانيين على "بريكست".. والأحرى أن نسميه "كرميكست"
وعلى غرار الحرب الباردة، فإن طموحات بوتين عالمية بامتياز، وتتضمن قائمة رجاله حول العالم: الأوليغارشية والمصرفيين والمحامين والمرتزقة ووكلاء النفوذ. ويرى المؤلف أنَّ هؤلاء العملاء يتجولون من سالسبيري إلى هلسنكي، وأوكرانيا إلى وسط أفريقيا، ولندن إلى واشنطن العاصمة، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن "دولة الظل" هي سرد فريد لكيفية سعي الكرملين لإعادة تشكيل العالم، وتقسيم الولايات المتحدة وإحداث الشقاق بينها وبين أصدقائها الأوروبيين، وإعادة تشكيل أمريكا في ظلامها الخاص. ونجح المؤلف البريطاني في أن يقدم قراءة أساسية لأيِّ شخص يُريد أن يفهم كيف ضربت الفوضى السياسة الغربية وعم الانقسام بين شعوبها، وباتت الديمقراطية على المحك.