ويسألونك عن تسريب المعلومات؟!

 

محمد بن عيسى البلوشي

 

لامسنا في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة جدًا في مجتمعنا، بدأت تتوسع وتأخذ أشكالاً مُتعددة، فتارة نقرأ منشورًا سرياً مسرباً، وتارة نقرأ رسالة رسمية مختومة وموقعة من جهة حكومية، وتارة ثالثة يتم تداول معلومات غير مُعلنة من جهة حول موضوع ما، ورابعاً يتم تداول معلومات مُسربة لمشروع ما، وخامسًا يتم نشر تعميم داخلي يخص مؤسسة أو قطاعاً معيناً تشرف عليه المُؤسسة.

الأمر الذي طالعنا معه الكثير من القضايا بأروقة المحاكم بشأن تسريب ونشر وتداول وثائق مصنفة، حيث تعددت أشكال المخالفات السابقة ولكن التحدي واحد، وهي مشكلة تسريب الوثائق والمعلومات الرسمية، فالأصل في المعلومة أنَّها مكتومة للاستخدام الرسمي لتلك الجهة وليس لتعميمها لجموع العامة، إلا ما يتاح نشره عبر قنوات وقوالب رسمية فقط وفي حدود المعرفة.

 

وإننا إذ نستشعر هنا المسؤولية الأخلاقية والقانونية والإدارية، لنشير إلى ما استهل به عضو الادعاء العام خلال مرافعته في قضيه نظرت مؤخرًا بأروقة المحاكم تتعلق بهذا الموضوع عندما استرشد بالآية القرآنية الكريمة التي قال الله عزَّ وجلَّ فيها (والَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) صدق الله العظيم.

إنَّ على كافة مؤسسات الدولة مسؤولية لإعطاء موظفيها برامج توعوية حول سرية المعلومات وقدسية المستمسكات الحكومية المصنفة من خلال برامج وورش عمل ومحاضرات، وما يترتب من آثار وإشكالات قانونية وإدارية حول نشر أو تسريب المعلومات.

ولاريب أنَّ الادعاء العام يقع على عاتقه مسؤولية كبيرة جدا في رصد تلك المخالفات والتحقيق في أسبابها ودوافعها وإيقاع المُخالفة المناسبة على الفرد أو المجموعة المخالفة بهدف إعادة ضبط سلوكيات المخالفين وتعزيز السلوكيات الصحيحة في بيئة الأعمال، وعلى الجهات الحكومية زيادة رقعة الوعي في مسألة أمن المعلومات والوثائق لدى منتسبيها، فالإجراءات الإدارية تحتم أن يقوم الموظف بالتوقيع على تعهد قبل استلام وظيفته بأنه اطلع على قانون أسرار الوظيفة وأنه يلتزم بمحتواه.

المسألة لا تحتاج إلى تفاصيل في شرح الفكرة أو توضيح المسوغات القانونية والوطنية للتعامل مع مسألة أمن المعلومات الورقية والإلكترونية الرسمية والعامة، وهنا نؤكد أنَّ على الجميع مسؤولية كاملة في حفظ هذه الأمانات والتعامل معها في حدود المسؤولية.

إنَّ الحكومة تُعاني بلا شك من جراء تسريب المعلومات والوثائق بهذه الصور غير المسؤولة والمخالفة لجميع الأعراف الإدارية والقانونية والأخلاقية والإنسانية، ويجب علينا أن نتحمل المسؤولية كاملة في حال حدوث أية مخالفة تتعلق بنشر محتوى وثيقة مهما كانت تصنيفاتها.

وأيضاً هناك مسؤولية تقع على المواطن في حال قيامه بنشر الوثائق الرسمية عبر مناصات التواصل الإلكترونية تحت أية مبررات أو مسوغات، وهنا نوضح أنَّ تلك المستندات هي حق للاحتفاظ والاستخدام الرسمي متى ما دعت الحاجة لذلك، ووفق الإجراءات والضوابط الرسمية المقرة بمطالبة الحق أو دفع مظلمة.

 

إننا اليوم أمام مسؤولية وطنية جسيمة يتحملها الجميع بلا استثناء (المؤسسات الرسمية والمسؤول الحكومي والموظف والمواطن) في التعامل بمسؤولية كاملة أمام المعلومات والوثائق التي يتعرض إليها أو يتعامل معها بحكم الوظيفة أو المعاملة، وليس من حق أي طرف أو  أحد نشر تلك الوثائق عبر منصات التواصل الإلكترونية أو للاستخدام غير الرسمي، إلا ما تقوم دوائر الإعلام والعلاقات العامة في تلك المؤسسات بنشرة عبر قوالب إخبارية أو رسائل توعوية، وأنا على ثقة كاملة أنَّ الادعاء العام له الدور الأعظم في متابعة هذا الملف المهم.