الرِّهان على حصان خاسر

محمد البادي

Mohd.Albadi1@moe.om

لا ينبغي لنا أن نستغرب أو نمتعض من ازدياد انتشار فيروس "كورونا" خلال الأيام القليلة الماضية، والذي صاحبه ارتفاع كبير جدًّا في أعداد الإصابات؛ فهذا الأمر بات طبيعيًّا ومُتوقعًا، في ظل عدم الالتزام بتعليمات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)؛ لأننا -ببساطة- نفتقد للوعي بماهية التعليمات وأهمية التقيُّد بها، وغير مدركين لخطورة الوباء الذي لا يزال جاثماً منذ ما يقرب من ثمانية أشهر على صدر العالم، مهدداً صحة وحياة الأفراد والمجتمعات.

فاللجنة العليا ووزارة الصحة راهنتا على التوعية من جهة، وعلى ثقافة المواطن من جهةٍ أخرى؛ باعتبارهما صمام الأمان في هذه المعركة الضروس التي يعترك فيها العالم أجمع مع "كوفيد 19".

ولأنَّ الأمور باتت أكثر وضوحاً من ذي قبل، فقد راهنتا على أنَّ الجميع سيرتقي بفكره إلى المستوى المأمول، ولم يكن وارداً في حساباتهما أنَّ هناك من يتربَّص بالتعليمات ليلتف حولها، وليضرب بها أقرب حائط، ليكسِّرها ويمشي فوق حطامها مزهواً مغروراً، وكأن الأمر لا يعنيه، مُعرِّضاً نفسه وأفراد أسرته ومجتمعه ووطنه لخطر الإصابة بالوباء.

إلا أنَّ رهانهما يبدو أنه كان على حصانٍ خاسرٍ؛ فكانت النتيجة جهلاً جرَّ شرًّا، وكانت الإصابات تزداد يوماً بعد يوم، بأعدادٍ مزعجةٍ ومؤلمةٍ حد الصراخ.

فمِراراً وتكراراً، نادى الخيِّرون عليكم "خذو حذركم"، ولسان حالهم يقول: "لقد يئسنا من تكرار مناشدتكم، وسئمنا من تكرار جهلكم، وضجرنا من عدم تجاوبكم، وحز في نفوسنا خسارة الرهان".

وبعد أنْ باتت الأمور واضحة للعيان، وبعد مُضي أربعة أشهر من الإغلاق،  فإنَّ الحكومة لن تظل مغلقةً كل الأبواب؛ فهي تسعى للموازنة بين حركة الاقتصاد في البلد، بفتح الحزمة تلو الأخرى من الأنشطة الاقتصادية والتجارية والخدمية من جهة، وبين صحة وسلامة المواطن من جهة أخرى.

وفي المقابل، فإنَّ المواطن لن يظل قابعاً مكانه، حبيس داره، بل سيسعى لطلب رزقه، وجلب مستلزماته، وتوفير لقمة العيش لأبنائه، ولكن هذا كله لا بد أن يكون بحرصٍ كبيرٍ، وبعنايةٍ فائقةٍ، وفي نطاق المنطقي والمعقول، نخرج لقضاء شؤون ومستلزمات الحياة اليومية، ولكن للضرورة القصوى فقط، مع أخذ كافة التدابير الاحترازية والوقائية ضد هذا الوباء.

إن المواطن -في كل دول العالم، المتقدمة منها والنامية- شريك أساسي في تنمية الأوطان، شريك بكل ما يتعلق به، وبما أنَّ العالم اليوم يعيش كقرية واحدة؛ فلا نعتبر أنفسنا بمعزلٍ عنهم؛ فالمواطن في السلطنة أيضاً شريك مهم، من خلال اتباعه للتعليمات الصادرة من المسؤولين عن إدارة هذه الأزمة، يحافظ على نفسه وعلى أفراد أسرته، بلبس الكمامات والقفازات، وبالتباعد الجسدي، والابتعاد عن التجمعات العائلية، وتجنب الأماكن المزدحمة إلا للضرورة القصوى، مع ضرورة التقيد بنظافة يديه وغسلهما بالماء والصابون، والابتعاد عن ملامسة الوجه، وتقوية الجهاز المناعي لديه، بتناول الطعام الصحي وممارسة الرياضية بصورة شبه يومية والنوم الكافي، حتى يقي نفسه من الإصابة بالوباء، ثم لا يكون عالة على المؤسسات الصحية في السلطنة.

هنا.. تتجلى الوطنية بأسمى صورها، وهنا يبرز حب الوطن، وهنا تنكشف معادن الرجال المخلصين لأوطانهم؛ فالوطنية ليست بالكلام المنظوم، وحب الوطن ليس باللسان المعسول، فنحن العرب رائعون جداً على مستوى التنظير والكلام، والتغنِّي بالمثل الزائفة والشعارات البراقة، والتي متى اصطدمت بجدار الواقع تحطمت وتهشمت وتبعثرت أشلاءً ممزقة.

... إنَّ الحكومات ليس باستطاعتها صناعة المعجزة بمفردها، ولو كان الأمر كذلك فإنَّ الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، مع ما تمتلكه من تقدمٍ هائلٍ في شتى العلوم، وتطورٍ كبيرٍ في التقنية والتكنولوجيا، كانت في مقدمة صنّاع المعجزات، من أجل اجتثاث فيروس كورونا من جذوره، ولما تكبدوا خسائر هزت عروش اقتصاداتهم المتينة، ولما فقدوا نفساً بشريةً واحدةً، ولكن المواطن شريك في هذه الأزمة، فهو الحجر الأساسي في بناء جدار الصد الأول ضد هذا العدو الغاشم.