خليجُنا بين كماشة ساعٍ وحالم!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

"نحن مستهدفون في أمننا واستقرارنا لذلك علينا أن نكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه ديننا وأوطاننا".. الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.. رحمه الله.

يعلم الجميع أن الأزمة الخليجية الأخيرة (للاسف ما تزال قائمة) بدأت منذ 5 يونيو 2017، ولا أعتقد أن أحدا توقع ان يطول أمد الازمة حتى اليوم، الأزمة كما تسميها السعودية والإمارات والبحرين هي "مقاطعة"، وكما تسميها قطر "حصار"، ولكل طرف قناعته في تسمية الوضع، وهناك من أسماها "أزمة عزل قطر" كما وصفها استاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور عبدالله الشايجي.

ومنذ بداية الأزمة قامت دولة الكويت ممثلة في أميرها الشيخ صباح الأحمد بجولات مكوكية مرهقة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وللأسف لم يكن الوضع متاحا رغم الجهود المضنية لأمير الإنسانية، فقد كان واضحا أن وقفة النفس بين الأشقاء قد أخذت منحى لم يعد من السهل التعامل معه.

لستُ بصدد ذكر أسباب أو إحصائيات معروفة للجميع وباستطاعة أي شخص الوصول لها من خلال ضغطة زر، لكني سأتوقفُ عند بعض النقاط حيث بدأت الأزمة بوضع الدول الرباعية عدة شروط (بغض النظر عن ماهيتها)، ثم خفضت الشروط إلى أقل من النصف، ولم تجد هذه الشروط آذانا صاغية في الدوحة. صحيح أن هناك شروط مثيرة للجدل، لكن من الواضح أن الحالة المثيرة للجدل والخلاف الكبير هي ما أوصلت الأمر إلى ما وصل إليه.

بالطبع هناك مبادرات لها التقدير حاولت وما تزال رأب الصدع في الأزمة أهمها المبادرات العُمانية، ووضحت هذه المبادرات في الزيارات التي قام بها الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي، وقيل أيضا أن هناك محاولات أمريكية لإنهاء الخلاف، خصوصا وأن دول الأزمة جميعها تتمتع بعلاقات وثيقة مع بلاد العم سام.

الأوضاع الدولية ليست ثابتة بل كالرمال المتحركة، وتأثير الأزمة على عدد من الأوضاع واضح للعين المجردة، فالأوضاع في اليمن مؤرقة، وفي ليبيا الوضع يتجة لمزيد من التعقيد، وفي سوريا ما تزال الأمور من سيء إلى أسوأ، وفي العراق حكومة جديدة لم تُختبر جديًا حتى الآن، وإيران لها في كل عرس قرص، ولبنان الذي كان سويسرا الشرق يعاني ماليًا بشدة بسبب ميليشيا أخضعت وجيرت قدرات البلد تحت قوتها، بينما أصبحت الحكومة مهمشة القرار!

الأوضاع غير مشجعة نهائيًا للاستمرار في أزمة لا رابح فبها، ولا أنسى موضوع "كوفيد- 19" وتبعاته المدمرة على الاقتصاديات، وأمور كثيرة لم تعد تحتمل استمرار الأزمة.

لا أريدُ أن أوجه سياسات دول لها قادة ومستشارين لهم المحبة والتقدير، لكن ما يحدث ليس من الصالح العام، وانظُر من يقود الحملات الإعلامية نادرا ما تجد مواطنين، إنما مرتزقة تقتات على خلافاتنا؛ إذ أصبحت خلافاتنا موسمًا لجني الدراهم والريالات، والله لو كانوا مواطنين حقيقيين لما نزل مستوى الطرح إلى ما وصله من الدرك الأسفل من الأخلاق حتى وصل الأمر للتعرض للأعراض!

لا تجعلوا كل آفة يسترزق على فتات خلافاتنا، فالخليج وأهله أكرم من هذه القذارات سواء كانت أحزاب مرتبطة خارجيا أم أفرادًا يسعون وراء الفتات، علينا أن نقف صفا واحدا ونضع الخلاف في إطاره الحقيقي، وتكون القاعدة هي وحدة الصف وتقديم المصلحة العامة، لأن العيون في شرق الخليج تراقب، وتنتظر الفرصة وانتهازها، وذئب اسطنبول يتطلع لأمجاد غابرة، وهناك أيضًا من يمد يد للسلام، ويد أخرى لاستنزاف ثروات الخليج.

وحتى نضع النقاط على الحروف بالنسبة لبعض الخلافات، قلتها سابقًا وأكرر أن السياسة فن الممكن، وقطر لا غنى لها عن الخليج، والله لا أردوغان ولا الإخوان ولا غيرهم سينفع قطر يوم الضيق، وبالنسبة لدول المقاطعة أنتم تعلمون وغيركم يعلم بأن ما يسمى بحزب "الإخوان المسلمين" ما هم إلا صرحٌ من خيال، وبتعاونكم جميعا لن يكون لهذا الحزب لا حول له ولا قوة، وأصلا لولا دعمكم جميعا (أقصد دول مجلس التعاون) لما وصل إلى ما وصل إليه. وتتذكرون أيام بداية الأزمة في أفغانستان ومن دعم الجماعات هناك، وبالنسبة لليمن لا يوجد بها طمع حقيقي، بلد مدمرة من كل ناحية لا بنى تحتية حقيقية، ولا طرق، وأعان الله الشعب اليمني، حتى جماعة الحوثي بإمكانها عقد اتفاق سياسي على طريقة لا ضرر ولا ضرار، وانتهينا.

المسألة يا سادة أبسط مما تتصورون، لكنها تحتاج إلى حكمة ونظرة بعيدة ثاقبة تزن الأمور على حقيقتها.

والخطر الحقيقي هو من دول قريبة من إقليمنا، هناك من يسعى لتصدير ثورته الطائفية، وهناك من يحلم باستعادة أمجاد غابرة، وعلينا ألا نسمح للساعين والحالمون بتحقيق أهدافهم، كل شئ بتفرقنا صعب، لكن ما أسهله حينما نتكاتف.

الوضع ليس بالسهل ولا تكفيه مقالات.. يقول أحد كبار السن أثناء حديث عابر: يا ولدي.. من لا يساعد نفسه ما يساعدونه الناس!