إصدارات جديدة تنضم إلى المكتبة الأمريكية

3 كتب جديدة ترصد الأوضاع السياسية والاجتماعية للولايات المتحدة

ترجمة- رنا عبدالحكيم

انضم إلى المكتبة الأمريكية مؤخراً 3 كتب جديرة بالقراءة، تتفق في مجملها في الرصد الواضح والمكثف للجوانب السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة على مدى عصور وأزمنة مختلفة.

والكتاب الأول يحمل عنوان: "أمريكا في العالم.. تاريخ الدبلوماسية الأمريكية والسياسة الخارجية" لمؤلفه روبرت ب. زوليك. ويأتي الكتاب بعد أكثر من ثلاث سنوات من مشاهدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يُدير ظهره للتحالفات والنظام الدولي والتجارة الحرة وحقوق الإنسان، لذا كان من المثير النظر إلى سياسته الخارجية المنحرفة. ويرصد زوليك في هذا الكتاب 200 عام من الدبلوماسية الأمريكية والسياسة الخارجية، حيث كان ارتباط الولايات المتحدة بالعالم دائمًا التنقل المستمر بين حتميتين متضاربتين: التجربة الوطنية والاعتقاد بأنَّ الاستثنائية الأمريكية يمكن أن تعيد تشكيل العالم.

وأدت سياسة "شد الحبل"- كما يسميها زوليك- إلى خروج مفاجئ على ما يبدو في السياسة الخارجية الأمريكية على مر السنين. فقد تعهد جون كوينسي آدامز الرئيس السادس للولايات المتحدة بأن أمريكا "لا تذهب إلى الخارج بحثًا عن الوحوش لتدميرها"، لكن الكثير من تاريخ الولايات المتحدة الحديث مليء بعظام هؤلاء الوحوش. فهي دولة أقسمت علناً، على حد تعبير توماس جيفرسون، أن "التحالفات المتشابكة" ستنتهي يومًا ما بحلفاء أكثر من أي دولة أخرى.

وإذا كانت قصة السياسة الخارجية الأمريكية تبدو وكأنها سباق، فإن زوليك يرى أنها مرتبطة بالطريقة التي يفكر بها الدبلوماسيون حول العالم. فعلى عكس العديد من التقاليد الأوروبية التي طورت الدبلوماسية من الناحية النظرية (والتي تلون وجهات نظر النجوم البارزين الذين يركزون على أوروبا مثل هنري كيسنجر)، كانت السياسة الخارجية الأمريكية عادة محصنة من قبل البراجماتيين. وكتب زوليك "على مدى 200 عام، سعت الدبلوماسية الأمريكية إلى معرفة ما يصلح، حتى لو تعثر الممارسون أثناء اكتشاف ما يمكنهم تحقيقه".

ويعمل هذا الكتاب على حد سواء عمل التاريخ الشامل ودليل ثاقب للدبلوماسية الأمريكية في الماضي والحاضر، وبمثابة رفيق بالمعلومات ومستشار عملي للقراء الذين يسعون إلى فهم التحديات الاستراتيجية والفورية لسياسة الولايات المتحدة الخارجية خلال عصر التحول.

أما الكتاب الثاني فيأتي بعنوان "عدو البشر.. قصة حقيقية عن القرصنة والسلطة وأول مطاردة دولية في التاريخ"، لمؤلفه ستيفين جونسون. ويتضمن الكتاب حادثة وقعت في المحيط الهندي في سبتمبر 1695، عندما اقتربت فرقاطة إنجليزية من سفينة مسلحة جيدًا ومُحملة بالمعادن الثمينة والأحجار الكريمة والتوابل. وكان قبطان الفرقاطة هنري إيفري، قرصان إنجليزي سيئ السمعة. وكانت السفينة مملوكة إلى أورنجزيب حاكم الإمبراطورية المغولية وأحد أقوى الرجال على وجه الأرض. ونجح القبطان هنري مع فرقته القراصنة في تعطيل سفينة أورنجزيب والاستيلاء عليها. وأطلقت تلك العملية الجريئة سلسلة من الأحداث التي حولت الإمبراطورية البريطانية، ومكنتها من السيطرة على الهند، وأرست الأساس للتجارة الحديثة.

ويرسم ستيفن جونسون هذه اللحظة التي لم تدرس كثيرًا، وعواقبها، وتداعياتها عبر صفحات كتابه الشيق. وكان هنري واحداً من أشهر القراصنة في القرن السابع عشر. ونشرت الصحافة تقارير شائعة للغاية- وغير دقيقة إلى حد كبير- عن مغامراته الشائنة. وعرضت الحكومة البريطانية مكافآت هائلة لإلقاء القبض عليه، على قيد الحياة أو (يُفضل) ميتًا.

ويوظف جونسون القصة غير العادية لهنري إيفري وجرائمه لاستكشاف ظهور شركة الهند الشرقية التي مهدت للاحتلال البريطاني للهند، وكذلك الإمبراطورية البريطانية، والسوق العالمية الحديثة، والذي يرى بأنَّه كوكب مترابط كثيف تحكمه الدول والشركات. ويجيب الكتاب على سؤال: كيف ساهم هذا القرصان وجريمته سيئة السمعة في لعب دور رئيسي في ولادة الرأسمالية مُتعددة الجنسيات؟

وكتاب جونسون عمل مليئ بالسرد القصصي، كما إنَّ الحقائق المضادة التي يستكشفها طوال الوقت مقنعة بما يكفي لاعتبار أنَّ الإمبراطورية البريطانية، وتاريخ الهند، ونظام التجارة العالمي، كانت ستأخذ مسارًا مختلفًا تمامًا لولا غارة القراصنة المشؤومة تلك!

وفي الكتاب الثالث المعنون بـ"نهج جاكرتا.. الحملة الصليبية الشيوعية في واشنطن وبرنامج القتل الجماعي الذي شكل عالمنا" لمؤلفه فنسنت بيفينز. وفي هذا الكتاب تصف إحدى الشخصيات أمريكا بأنها "أرض فقدان الذاكرة العظيم". وبما أن الاحتجاجات ضد العنصرية تجبر الولايات المتحدة على التعامل مع ماضيها، فإنَّ الكتاب بمثابة تذكير في الوقت المناسب بأنَّ تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية يحتوي على حقب مظلمة.

ويركز بيفينز في معظم الكتاب على إندونيسيا، وهو بلد يعرفه جيدًا منذ عمله كمراسل في جنوب شرق آسيا لصحيفة واشنطن بوست. ويرسم المؤلف الخطوات الأولى لتلك الدولة الآسيوية كديمقراطية ما بعد الاستعمار في عام 1950 مرورا بالتمرد العسكري المدعوم من الولايات المتحدة في عام 1965 وما تلاه من حمام دم أودى بحياة ما يُقدر بمليون إندونيسي. ويقدم الكاتب سردًا موجزًا ​​عن الكيفية التي ألهمت بها المذبحة المدعومة من الولايات المتحدة في إندونيسيا، الدول الأخرى لإطلاق قمعها القاتل للحركات اليسارية.

ومن خلال التركيز على إندونيسيا والدول غير المتحالفة مع الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي (سابقا)، يتجاوز بيفينز تاريخ الحرب الباردة النموذجي ليتطرق إلى سباقات التسلح والمؤامرات. وكما يوضح كتابه، فإنَّ انتصار الولايات المتحدة ينطوي على قدر هائل من سفك الدماء، بطريقة لا يمكن فهمها.

ويسرد الكتاب بوضوح ما يراه ​​بيفينز لعمليات التطهير المناهضة للشيوعية التي أعقبت حركة 30 سبتمبر، وهي عملية خطف وإعدام فاشلة للقادة العسكريين الإندونيسيين في عام 1965.

ويروي المؤلف كيف قام عملاء المخابرات الأمريكية بتوفير قوائم اغتيال للمشتبه بهم بينما قام الجيش الإندونيسي بتمشيط البلاد بآلية منهجية. وكانت الأحداث بمثابة مخطط للحملات القمعية في أماكن أخرى، فقد وجد بيفينز أن الحكومات والحركات اليمينية في 11 دولة على الأقل استخدمت "جاكرتا" ككلمة رمزية لقمع اليساريين وقتلهم.

وعلى الرغم من أنَّ عبارة "القتل الجماعي" مروعة، إلا أنها تضاعف الشعور بالقشعريرة عندما يسرد بيفينز، تفاصيل الشخصيات الرئيسية في الكتاب.

وبعد ثلاثة عقود من انتهاء الحرب الباردة، تثير رواية بيفينز أسئلة ملحة؛ هل جعل الهوس المناهض للشيوعية في القرن العشرين العالم أكثر أمانًا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن كان آمنا؟

تعليق عبر الفيس بوك